Thursday, December 30

أنا خائف يا أليس

اليوم فقدت الأخضر 
وبالأمس الأزرق 

لم تعد هناك سماء ، ولا حقل ذرة 

لا يرقات ، و لا غابات أمازون 

الأحمر يستلونه مني 
ولا أقوى على الذود 

أضع يدي فوق جبهتي 
وأنظر من أعلى للعمر الذي ترك يدي 
وهرول بعيدا 
أبحث عن ولد كان يسير هنا أمامي 
واختفى 
كنت أرعاه بألوان عيني 
أبحث عنه في الكتاب المصفر 
أحاصر روحه 
بخطوط يدي الباهتة . 

أكتب " لا " 
وأضعها بين قوسين 
أغلق القوسين فيصيرا دائرة 
أظللها .. تصبح كرة 
أركلها .. تخترق النظارة إلى عيني 
وتسقط الأبيض 

الآن 
وأنا أقترب من نهاية العمر 
تتكاثر النظارات بلا جدوى 
تتجمع في حجري كبيض فاسد محطم 
تغدو الحياة مثل الذكريات 
بلا ألوان تقريبا 
فقط المرار يختلط بالدموع 
فقط الحنجرة تتحجر 
ولا أقوى على الصراخ 

كل يوم 
أستيقظ مبكرا لأكتب قصيدة 
أمزقها في المساء 
لأنام مرتاح البال 
ذات يوم 
بعد أن أنهيت أعمالي الكاملة 
قررت ألا أستيقظ 
في الحلم 
كانت لفائف الورق 
تمشط ذراعي 
بقلادة من نار 

عندما أعود صغيرا 
سأعيد قراءة كتاب لم أكمله 
وضاع مني 
سأتوقف عن مطاردة دود القز ، وأفراس النبي على الحشائش 
وجيلفر في بلاد العجائب 
سألعب .. 
ألعب حتى تبرى قدماي 
وأحتفظ بقصائدي الأولى التي مزقتها 
أمسح جبهة حماري الذي ضربته 
اشتري عينين جيدتين من البائع الذي يلف في الشارع 
أبكي أكثر على قطتي حتى تعود من الموت 
أسرع أكثر كي أنقذ كرتي من السيارة المسرعة 
عندما أعود صغيرا 
لن أصبح كبيرا 
سأطلب من الله الذي يزورني كل ليل 
أن يزورني كل ليل 

مع الأيام 
أتحول لصورة معلقة على الحائظ 
لا أهش على غنمي 
ولا التراب من على حواجبي 
تتغذى ذاكرتي على النسيان 
تسقط اللقمة من فمي 
أنسى أين تركت عيني 
وانصرفت باكيا.. 
يقول الحسن البصري 
اعتزلنا واصل 

أصبحت أخاف 
من الكلاب الساكنة والمراهقين 
أهتم بالنظارات وقياس الكوليسترول 
بمصادقة طبيب عظام جيد 
بأسعار المقابر في صحف الصباح 
أصبحت الأشياء العادية مستحيلة 
وكوب الشاي أبعد من المطبخ 
رتيب كاهتزازة القطارات الفقيرة 
مر كفقدان الأحبة كل أسبوع 
بعيد .. 
بعيد كالحياة
محمد أبو زيد

Sunday, December 5

ما قاله أبي عن الشجرة والكناري والسعال


لسبب أو من دون سبب، ولأسباب كثيرة أحقد علي المارة الذين لا أعرف أحد منهم وأجهل ما صنعوا بي ومايصنعون في الأيام الآتية ، وعلي البائع الجوال الذي يبدد خيبة أعوامه الستين بين الحواري، وعلي الكلب التائه لأنه أسود ولأنه الكلب الذي تظلله شجرة منفردة،وعلي الشجرة إذ تبدل ظلالها رخيصة علي الأسفلت والحفر ومسارب المجاري.

ولأسباب أخري أحقد علي النافذة وأجدني واقفاً خلف النافذة لا أزال.

أعرف جيدا أنه ليس مؤلما علي الإطلاق أن تقف خلف النافذة كما يفعل من ينتظر شيئا، أحدا ما، أو من يدفعه الفضول إلي الإطمئنان مرة ثم أخري إلي أن الأشياء في الخارج مازالت هناك وأنه لم يمُت بعد لكي يفقدها. ليس مؤلما أن تقف هكذا وتعلم جيدا أنك لاتنتظر ولست فضوليا، ولست ممن يفتنه مشرق الأنوار أو عليل الهواء، تقف هناك لأنه ينبغي أن تفعل شيئا، أن تفعل ما لا تتعمده أو تقصده أو ترغب فيه ذلك أنك لسبب أو دون سبب، لا تشعر بالخيبة أو الحزن أو الألم، ولا تريد أن تكون هذه المشاعر التافهة من بين المشاغل التي تفسد عليك نومك ويقظتك فلديك من الأسباب مايجعلك واقفا هناك، مهملًا، شيئا بين أشياء تُرفع بعد وقت في صناديق محكمة الإغلاق إلي رطوبة المخازن أو الأقبية أو الزوايا المهملة من الأبواب الخلفية وتُترك للنسيان.

ليس مؤلما أن تقف هناك، لاتعرف ماذا تفعل بيديك وإلي أي إتجاه تنظر وفي أي نقطة تحدق. حتي التنفس، أقصد مشقة التنفس ، ليست بمقدار ما رواه أبي، كان أبي علي مشارف السبعين وقد إهترأت رئتاه من الرطوبة والوحشة والتدخين والخدمة العسكرية ومن التجوال منفردا بين الغرف، كان أبي يقول وقد إهترأت رئتاه لسبب أو لدون سبب، أنه لايتألم إلا حين يتنفس، لم يقل أن في الأمر ما يدعو إلي التوقف عن التنفس، إذ دائما يحين الوقت الذي تعتاد فيه علي التألم، حتي إن زال الألم أوجعك غيابه، ولم يقل أنه أعتاد الألم بل قال شيئا عن وحشة الأماكن الشاغرة، الخزان الكبيرة خالية إلا من قبعة الأستراخان، المشجب إذ يعلوه الغبار، السرير الذي رفعت عنه الشراشف والأغطية وبقي الفراش عاريا وحيدا، الكنبات في ردهة الجلوس متقابلة كشقيقات مُسنّات، السروة بمحاذاة الشرفة يخليها الهواء، الحصاة وسط الشارع، الغرف التي غادرها الزائرون، أعقاب السكائر، والرائحة التي تمكث خفيفة في الأرجاء. وقال شيئا عن الوردة التي تشبه الفتاة وعن الفتاة التي أصبحت بعيدة وقال شيئا عن المكان البعيد الذي يناديه و يراه في النوم ثم يراه في اليقظة وقال أنه في عينيه.وعن أشياء أخري لم يقل انها في عينيه لكنها كانت هناك.

أعرف جيدا، ليس مؤلما إن أردت أن تكون هناك وما استطعت، فقط تقف شيئا بين أشياء تُرفع بعد وقت وحفظ من النسيان. وأذكر أنه لم يقل شيئا عن النسيان. فقط يجلس قبالة أحدنا ويحدق في وجهه، يحدق في عينيه، كأنه يود أن يمكث هنيهة في العين التي رأته. وإذا مر به أحد أمسك بطرف كمّه. بطرف سترته حتي إذا إلتفت نحوه لم يقل شيئا بل نظر إليه. كان أبي الذي إهترأت رئتاه من الحرقة والتدخين والتجوال بين الغرف منفردا، يعرف أن النسيان حال من يقيم علي الحافة معلقا في الفراغ.إذا سار أتكأ إلي الجدار وإذا وقف إستند كفه إلي مايكشح الفراغ من أمامه.

ليس مؤلما قال، ولم يبك، لم يطلق زفرة واحدة. كان المكان البعيد في عينيه وقال إن الأمر ليس مؤلما، وكان لايقوي علي النوم ويخافه إذا لايعثر في النوم علي يد يمسكها أو طرف ثوب يتشبث به، ولسبب أو دون سبب،ولأسباب كثيرة كان يحب المارة الذين لا يعرف أحدا منهم أو يجهل ماصنعوا به وما يصنعون في الأيام الآتية، وكان يحب البائع المتجول والكلب الأسود الذي تظلله شجرة منفردة، ويحب الشجرة إذا تبذل ظلالها رخيصة علي الأسفلت والحفر ومسارب المجاري.
ولأسباب أخري كان يحب النافذة وما عاد الآن واقفا خلف النافذة.

كان يعلم أن الأمر ليس مؤلما إن وددت أن تكون هناك، ويجب أن تراه عين من أحب وان يمكث هنيهة في العين التي تراه.
ولا اعرف إذا كان ابي قد أحب الموت. ولا أذكر أنه قال شيئا عنه، قال أشياء أذكرها عن الشجرة والكناري والغرف والسعال.
وقال وددت أن أكون السروة هناك


بسّام حجّار

Sunday, November 28

الوطن


الوطن صديق غريب
دائماً يصادف عيد ميلاده
يومَ عطلة
لذلك
فهديتنا الوحيدة إليه
هي النشيد نفسه
ملفوفاً في لحنه القديم.

* * * *
الوطن أب صارم
يعنف أبناءه كلما تأخروا
حتى الهزيع الأخير من المنفى.

* * * *
الوطن عويل حجري
تحت
راية
من حرير الروح.

* * * *
الوطن قصيدة شاسعة
منشورة في مجلة سياحية.

* * * *
الوطن هو دعوة الأهل للعشاء
بعد سوء تفاهم مزمن.

* * * *
الوطن هو مرور
كواعب المدرسة المجاورة
على ناصية قلبي.

* * *
الوطن ضربة جزاء خيالية
يُقِرُّها القَدَرُ
مع انطلاق الحياة.

* * * *
الوطن عبور بحرٍ أو محنةٍ
عودةٌ
أو دخول في الغيابْ
وهو أيضا
تلك الرائحة التي
في الثيابْ.

* * * *
الوطن طابع بريد
أما الرسالة فخضراء
كأي خريطة.

* * * *
الوطن حلم الأعشاش
بأطفال
يتسلقون
الشجر.

* * * *
الوطن هو سطح بيتنا القديم
لكن،
كيف سُرقت دجاجاته القليلة؟

* * * *
الوطن موّال عميق
تطلقه فتاة ريفية
من مرتفعات الروح.

* * * *
الوطن جواز سفر صالحٌ
يخطب تأشيرة شقراء
فيطلبون مهراً لها
عمراً من الانتظار.

* * * *
الوطن هو سعاد قبل احتلالها
أو دليلة بعد تحريرها
تماما
من مسودة الثياب.

* * * *
الوطن هو سعال أبي
في الشتاء
وصوت أمي
في الهاتف.

* * * *
الوطن شيخ طاعن
في النساء
والحقول
والمآتم.

* * * *
الوطن وصية مختومة
بوصية تقول:
من يفضُّها يحرم من نصيبه.

* * * *
الوطن بستانيٌّ حاذق
كل صباح يشذب المواطنين
واحداً واحداً
حتى لا تستطيل أحلامهم.

* * * * 
الوطن اسم امرأة
كلما رَنَّ
ينتفض هاتف القلب.

* * * *
الوطن هو درب الجنون
مضاءً
بفانوس
الذاكرة.

* * * *
الوطن هو أن أدرّس يوميا
خمسة وعشرين قرنا
من الرياضيات
حتى لا يرسب ابني
في امتحان الآيس كريم.

* * * *
الوطن ضربة حظ
لم يجرؤ أحد قط
على الاعتراف:
كم هي مؤلمة.

* * * *
الوطن وتد
شعاره الحبل.

* * * *
الوطن ابتسامة عريضة
على وجه خريطة العالم
ما إن يغادرِ الفصلَ
مدرّسُ الجغرافيا
حتى يهجم الأولاد عليها 
بأقلام صفراء.

* * * *
الوطن وسادة محشوة
بأحلام القتلى
وكوابيس القتلة.

* * * *
الوطن تمثال للحرية
ساحةٌ
برجٌ..
أو مقبرة للشهداء.

* * * *
الوطن منزلة بين منزلتين
ثالث مرفوع
بالضمة الظاهرة في آخره.

* * * *
الوطن كلمة ولود
أنجبت قاموسا
من الكلمات الشزراء.

* * * *
الوطن مستقبل يخطو
بأقدام الماضي
والحاضر شاهد.

* * * *
الوطن وردة
في عروة العالم
وحده العالم 
يعرف أنها من البلاستيك.

* * * *
الوطن عنوان قديم :
قديم ومازالت الرسائل الحارة
تتفقده كل صيف.

* * * *
الوطن
صخرة
سيزيف
ملفوفة في الحرير.

* * * *
الوطن حصان
بسرج من جموح
ولجام من حنين.

* * * *
الوطن ساعة بعقرب واحد
يلدغ كل من يسأل:
كم الساعة الآن
أيها الوطن؟

* * * *
الوطن حارس لا ينام:
فهو ساهر أبداً
على أرق الأعداء.

* * * *
الوطن مرآة عذبة
يغمر النرجس وجهي 
كلما حدقت فيها
فلا أكاد أرتوي مني.

* * * *
الوطن ابنٌ شقيٌّ
أنجبته الأرض

ذات زلزال

* * * *
الوطن قميص
من حرير اللغة
موشّى بالملاحم

* * * *
الوطن عطار هرم
مذ كان
وهو يفسد
ما أصلحه الدهر.

* * * *
الوطن
عكازة
الغرباء
في الطريق إلى أنفسهم.

* * * *
الوطن كتف سميكة
وحدهم الجزارون
يعرفون جيداً
كيف..
ومن أين؟

* * * * 
الوطن جريدة رسمية
تشرف عليها
هيئة احتلال صارمة
لا تنشر
إلا ما تراه صالحا للشَّر
ومن دون أخطاء مطبعية
طبعاً.

* * * *
الوطن
ثقب
عال
في
ناي
الروح.

* * * *
الوطن سوق ممتاز
مدجج بكاميرات سحرية
تصور كل شيء
تصوروا:
كل شيء إلا اللصوص.

* * * *
الوطن هو خيانة
الجغرافيا للتاريخ
على مرأى من العصور.

* * * *
الوطن انتصار صغير
لا يني يكبر
إثر كل هزيمة.

* * * * 
الوطن
جب
عميق
حيث لا ماء
بل قمصان وقمصان
وكلها مضرجة بالعواء.

* * * *
الوطن شيك على بياض
لا يمكن صرفه
إلا بعد الإدلاء
بشهادة الوفاة.

* * * *
الوطن عقد فريد
من مسقط الرأس
بواسطة
من مسقط القلب.

* * * *
الوطن ثريُّ حربٍ
يحتضر وسط حشد
من الأبناءِ والأحفادِ
الأسباطِ وباقي الورثة :
فالكل ينتظر نصيبه من السلم.

* * * *
الوطن صَيْرَفِيٌّ خبيرٌ
ليس من البريق
يعرف معادن الناس
بل من رنين حياتهم.

* * * * 
الوطن غيمة حبلى
تضع
شآبيبها
خارج
أسرة
الوطن.

* * * *

الوطن حسنٌ جدًّا
بخط جميل
في دفتر الحساب.

* * * *
الوطن حمامة بيضاء
ذات بيض ذهبي
كلما فقست واحدة
تندلع في عشها
حرب.

* * * *
الوطن ربيع عجيب
ينتابه الشتاء
في الشهر الأول
وفي الشهر الثاني
تداهمه نوبة صيف حارة
فيصاب
في الشهر الثالث
بالخريف.

* * * *
الوطن نخلة
ناطحة للغمامْ
لها
جذور 
غابرة
في
التاريخ
ولا ظلال لها في الجغرافيا
ولها تمر بعيد بعيد
عن جوع الخيامْ.

* * * *
الوطن موعد أولٌ
مع فتاة أولى
تفتتح القلب
تكبِّده نبضا فادحا
في مساء
وشَّحه اللقاء
بغروب باذخ
في الذاكرة.

* * * *
الوطن تاج
مرصع بالعيون
لذلك
يحبه الشعب
حبا أعمى.

* * * *
الوطن امتحان ملتبس
ترسب
إذا نجحت فيه
ولا تنجح
إذا رسبت.

* * * *
الوطن رسالة
بلا رسول. 

 سعد سرحان

Sunday, October 24

أشياء غائمة


سآخذ البشرية من يدها
هذا المساء
سآخذها خارج المدينة
لأحكي لها عن رحلتنا الأخيرة
التي فشلنا في اختيار أرجلنا فيها
عن الفراغ الذي سرق الكلام
وهرب
سآخذها إلى مقهى صغير
إضاءته قديمة
ويسهر حتى الصباح
مقهي يتوسط الناس
وأضع تحت يديها خرائط الظل
قبل أن أمزقها
أريد أن تشاركني حالة المشي
التي تنتابني كلما تقدمت في العمر
الحالة التي أتذكر خلالها.. أشياء غائمة
وأقرر ألا أتذكرها بعد ذلك
واتذكرها بعد ذلك
***
البشرية لا تخرج الآن مع أحد
تجلس في المكتبات القديمة
تبحث عن أصابعها
أو تتجول في حدائق وهمية
احتفل التاريخ بها
وربما..
تدندن بصوت مسموع.

إبراهيم داود
حالة مشي


Wednesday, October 20

الموتى


منذ صارت المقابر أحد أحياء المدينة
وهؤلاء الموتى لا يكفون عن إثارتي
أمس خدعني أحدهم أيضاً
قال إنه رتب كل شيء
وإنه يتحدث عنهم جميعاً
وناولني صكوكاً مذيلة بتوقيعات وأختام
الصكوك الصفراء اللعينة التي يتركها الموتى عادة
وقبل أن أجد الكلمة المناسبة
كان قد تحصن في ابتسامته الراضية
ومات
مثلما يفعل عادة
هؤلاء الذين أراحوا ضمائرهم.

محمد صالح
صيد الفراشات

Sunday, October 17

الألبوم العائلي للموت


آخر صورة أضيفت للألبوم العائلي للموت،
كانت بمثابة جدة لي.
في درجة من درجات غيبوبتها
كانت تضغط بإحدى يديها على يدي،
ويدها الأخرى كانت تصفف خصلة شعرٍ هشة،
طيرتها أجنحة ملاك الموت.
الحركة التي كانت ترددها دائماً،
عند الاستيقاظ من النوم
واستقبال يوم جديد،
بشعر مصفف
بمفرق لامع البياض.

في عروق زرقاء،
كنت أجس هذا اللحن القديم للحياة،
النبض وهو ينسحب تدريجياً
ويخلي المكان لصمت طويل

 علاء خالد
كرسيان متقابلان

Wednesday, October 13

الجوع


لماذا لا أجرب أن آكل شيئاً جديداً
كخارطة السودان مثلاً
أو آكل دلتا مصر في قطاع طولي
من افتراق الفرعين حتى المصب
بالطمي المتراكم عبر ملايين الأجيال
أو آكل مكتبة هائلة
تغص بالكتب الضخمة عن الروح
أو قاموساً للغة الفرنسية
حتى تطفر الدموع أحرفاً من عيني
لماذا لا آكل امرأة رائعة الجمال
نيئة إلا من أنوثتها
لماذا لا آكل مخزناً كاملاً
لصواميل الصلب الخاصة بالمحركات الثقيلة
لماذا لا آكل حزباً شيوعياً
أو مدينة بأكملها ولتكن دمشق الشام
لماذا لا آكل شيئاً كقاعة "سيد درويش" التي بأكاديمية الفنون
لماذا لا آكل شيئاً نسيته بأحد الأحلام
وبحثت عنه سدى في حلمي التالي

قرصني الجوع ولا زلت أسافر
وأنا زاهد فيما تأكلون.

ياسر عبداللطيف
جولة ليلية

Saturday, October 9

سنتمنتالية


كنتِ ستموتين بين ذراعيّ
أليس هذا ما اتفقنا عليه؟
ماذا أصنع إذن بأقراص الفاليوم
التي اشتريت لكِ منها علبة كاملة؟
هل أبلعها أنا!
لقد تبدلتِ سريعاً
أصبحتِ فجأة تتشبثين بالحياة
يا للعجب
..الحياة!!
أليست هي النفق المعتم الكئيب
ورحلة العذاب المتخبطة التي لا تنتهي؟!
ثم ماذا سأصنع الآن
بالقصيدة التي أعددتها لرثائِك؟
هل تسخرين مني؟
لن أغفر لك ذلك أبداً
....
لكن الآن
ما العمل؟
بعد أن رتّبت حياتي المقبلة بالفعل؟
حياتي!!
.. لقد أطحتِ بها بضربة واحدة خرقاء
كنت أوشكت على توطيد علاقتي بمحل الزهور
من أجل أن يخصّني بأجملها وبسعر مناسب
حتى يتسنى لي الرحيل إلى قبركِ كل أسبوع
وفي يدي هدية جميلة
إن قلبي منذ الآن يدق بعنف
كلما مررت بشارع " صلاح سالم"
وحنين جارف يقودني دوماً إلى "البساتين"
حيث مقبرة العائلة
والبارات:
أجل..
عثرت أخيراً على واحد هادئ وقديم
نوافذه عالية وحوائطه الخشبية صفراء
لأذهب إليه كل ليلة
وقد حددت المنضدة المنزوية التي سأقضي عليها بقية أيامي
أشرب.. وأدخن.. وأبكي
وسيغدو بإمكان الشعراء الشبان
أن يشيروا إليَّ دائماً:
"إنه السنتمنتالي المتوحد الحزين"


أيتها الجبانة

لقد أفسدتِ كل شيء.

أسامة الدناصوري
عين سارحة وعين مندهشة

Monday, October 4

أغنية الحنان


أطاحت الخمرة بعشرة رؤوس
في المقابل
لم نخسر أرواحنا
دخلنا بيوتنا كغرباء
سهونا
حتى صارت لنا لحي طويلة
وحين توسط القمر
وأصلح المغني أوتاره
سطونا على غسيل الجيران
آهاتنا العالية
أمّنت ظهورنا في العودة
دفعنا أبواباً، موائد، وكراسيّ بالأقدام
أعماقنا حجارة خفيفة ومشطوفة نقذفها باتجاه البحر
فتقفز على سطوح الأمواج ملسوعة وضاحكة
نحن دببة الشعر الكسالى
نجلس على مؤخراتنا ونتطوّح
نتفلّى
حتى تدمى الأصابع
ويلكز بعضنا الآخر منادياً بالأسماء كي لا ننسى
نروح إلى العالم بجفون ثقيلة وأحذية قذرة
- أين مصروفنا؟
....
يا حنان
آتنا بكتف المحب، وعكوته
آتنا بالمخاصي يا حنان
آتنا برأسه في مرقة
من عينيه تسقط حبَّات البازلاء
وعلى لسانه يختلط الحب بالجزر
يا حنان
آتنا بحبيبته لنضاجعها على السفود
واحداً واحداً نسقط في النار
ملامحنا ترق وتصفو
يا حنان.. لا تنس أيضاً
نحن أبناء عائلات
نحن أبناء شياطين وقتلة يا حنان
كانوا يمرون من هنا
كان في استطاعة أحدهم
أن يشعل لنا سجائر
ويتبادل معنا كلمات
الكلمات
الكلمات
كم هي معجزة
نتكلم، وليست لنا كلمات
نتكلم وبحة أفكارنا كسكين صدئة
كسحابة من الندم محروسة بمزاليج وأقفال تجلجل
نتكلم وليست لنا مصابيح يا حنان
كان باستطاعة أحدهم أن يعتذر في عجلة
- هه.. إن له اهتمامات
في صحتك يا مانولي
عشرة جنيهات تحترق في ثمالة الكأس
عشرة أخرى من أجل صليبك
دسسنا أيادينا في معاطف الصوف
وحملناه على الشاحنة
نهبط المدن عند الفجر بأنوف ترشح
تلحس أقفاءنا أحلام باردة
ونطيل الوقوف في المراحيض العامة
لا أحد يفهمنا
من أجلنا جرى الدم أسود
وفي اجتماع الظهيرة حل الحزب نفسه
القاتل كان منا
طوح بزجاجة، وبكى
عالم رياضيات، وعاشق فاشل
وعلماء رياضيات قادمون من غرف ضيقة
من القرن التاسع عشر
من الحوائط مقشورة الطلاء
المسجل عليها حسابات القيامة ودوائر الجحيم
ودائماً بالابتسامة الملتوية
لفم يعجز عن اكتناه المسرات
يحلمون بسجون ذات أسوار عالية
وأخرى مفتوحة على الصهد
يحلمون بكرات الحديد تجر ظلالهم المسلسلة
بانصعاق الروح
أمام الحجارة البيضاء الرائعة
بطرقات معول كونيّ لا يتوقف
بشهقة الإلحاد
في عمل يائس لا ينتهي
عمل لا جدوى منه
وداعاً يا مانولي
شيء واحد معنا؛ أفكارنا
لا.. ليست لنا أفكار
وداعاً يا مانولي
سنتزوج حتى تكون لنا أفكار
وبعدها أيضاً
سنحمل أخف الحقائب، وبلا حقائب
من يدري
كانسياب شلال
كهباء يرى مرة واحدة
كصفارة باخرة تميل عن الرصيف
كلفتة توديع من القرن
كشعر للفتنة
كنشيد

مهاب نصر

Thursday, September 30

أنا الآخر دخلت سيمفونية مرتجلة


مترنحاً
ينزف البيانو مقطوعة
وقد تذيب الجليد الكريستالي الذي عشش في إصبعه الحجري.
بينما أكتب ثدياً يترنحُ من بركةٍ حتى السديم,
دفئاً في حُلةٍ أرجوانيةٍ يستوعبُ لغةَ الأفق
لا تعزفُهُ العذراء
الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر
غرف ضبابيةٌ وبطلٌ يرسم الإناث وأعضاءً تناسلية ثم يصدق تأويل الرّبِ حين يقطف شهوته ويَنْشقُ الضباب، ويحشو أنفه وفمه ثم يفكر:
هل يفصلُ رأسَه
أم يعيد صياغة الجدران؟
الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر
عابرة تنضج تذكاراتٍ وحرائقَ على زُجاجِ الْحانة تَذْكُرُ أُمّها حين الولادةِ .. بعد الولادةِ لا تطوح حبلها السري ... تصطاد نُجيماتٍ .... تبعثرها على المائدة
وتَرقُب عابراً قد يُورق في ارتعاشها
الْمُوسيقى: خلفيةٌ لا أكثر.
عابرة
ستلبس وردة أو حصاناً أو طائراً قرمزياً يحمل نصف
شمس على جناحه الشمعي، تلج بسلالها الْملأى بالنّجوم الطازجة،
تسكب ألونها الصارخة على وجهٍ لا تعيه،
وقد تُقشّر الرماد عن أصابعه
دونما سؤالٍ عن اتجاه سبابته
وربما يدهشها فمه الْمُحَنَّط
فتضحك بينما تحشوه بالأوراق،
تدير له اسطوانتها الشاعرية ثم تشرع في تلقينه رقصتها
حيث ترش الإضاءة بقليل من الأزرق،
وتُخبره - حين يُضيء جسده احمراراً – أنها في حضْنه بعيدة عن اللصوص،
تعود ترتدي وردة أو حصاناً...
ولن تبرر هيئتها
لأنها تمضي سريعاً
أو لأنها
امرأة
تطرق بابك في الليل.

محمد متولي
(حدث ذات مرة أن ....)

Sunday, September 26

الخصيان


كانوا يرتدون ثياباً تكشف عوراتهم بطريقة متعمدة
وفي مفترق الطرق إلى حيث يمضون
كانوا يتبادلون عناقات حارة
وصوراً وأدوية وعوازل طبية
وكل ما يصطنعه الرجال في تجاربهم
وبعد كل ما جرى
كانوا لا يزالون
ممتلئين شهوة.


محمد صالح 
صيد الفراشات

Thursday, September 23

فيروز


سلام عليها
أختي التي توغلت في الغابات
وانطلقت نحو الصحاري
أختي السمراء التي يعرفها كل رواد المقهى.
لأجلها سأدق أجراس الكنائس
وأشعل النار في الزبائن كلهم فتمطرني سحابتها:
لا أحد هنا يا أختي
لا أحد..
سأصنع ذاكرتي بنفسي
سأخيطها على مفارش الطاولات
أختار الألوان وحدي
والفرحة التي تؤهلني للصعود إلى الجبل
كأنه ليس في العالم غيري
الذكريات لي
والأساطير لعابري السبيل في السفح..
نتراسل بالنظرات
وباللكنة العربية المستعارة.
نتشارك العشق ذاته والموت ذاته
والرغبة ذاتها في التماهي مع مفردات الجنوب.
هي تقطف الشمس لي
وأنا لأجلها أصعد الجبل
أستطلع زحف الأعادي وأنذرها:
يا علياء
لماذا لا نعيد اكتشاف أسمائنا؟
ستقتلنا الأسود
ولن نرضى بميتة أقل حدة من الأنياب.
سنرتدي جلد الحيات دفاعاً عن النفس
ثم نلتف على رقاب الكواسر
نروضها على محبة الغزلان..
كأننا جذوتا نار
عيوننا مفتوحة على حافة الذعر
لنا ثديا الطبيعة باقتسام
ولله محبتنا
ولغير ذلك أن يحترق.

هدى حسين
أقنعة الوردة

Sunday, September 19

كل يوم في الخامسة صباحا

لسنوات طويلة

 كان يهجره النوم في الخامسة صباحاً
 فيقوم ليطارده فوق أسطح العمارات المجاورة
  
يستسلم للشرفة
 لكوب الشاي النقي
 لأول سيجارة سيمتص رحيقها
 للجريدة التي لم يجف حبرها
 للشارع الخالي من الذكريات

 كل شيء لامع
 ليست هناك أتربة على الإفريز
 ليس هناك من يأتي بعده
 ليطعم أسراب النمل

 كانت أمه قد ماتت
 وبقى هو يتتبع آثارها
 في هواء الصباح
 الباكر
 في حنان الشاي
  
في قطعة البسكويت التي كانت
 تدفعها دفعاً إلى فمه
 فينفرط جزء منها على الأرض
 في حواراتهما الهادئة
  
كرسيان متقابلان
 لا مفر من الحب
 حتى ولو كان أحدهما فارغاً
 حتى ولو كان أحدهما أعزبَ في الستين

  وعندما تصل الشمس إلى حافة الإفريز
 ويتبدل الهواء الأمومة
 وتنكشف تلك الطبقة الحزينة من الغبار
 عندها ينتقل إلى شرفة أخرى مفتوحة.

 علاء خالد
كرسيان متقابلان