Sunday, October 24

أشياء غائمة


سآخذ البشرية من يدها
هذا المساء
سآخذها خارج المدينة
لأحكي لها عن رحلتنا الأخيرة
التي فشلنا في اختيار أرجلنا فيها
عن الفراغ الذي سرق الكلام
وهرب
سآخذها إلى مقهى صغير
إضاءته قديمة
ويسهر حتى الصباح
مقهي يتوسط الناس
وأضع تحت يديها خرائط الظل
قبل أن أمزقها
أريد أن تشاركني حالة المشي
التي تنتابني كلما تقدمت في العمر
الحالة التي أتذكر خلالها.. أشياء غائمة
وأقرر ألا أتذكرها بعد ذلك
واتذكرها بعد ذلك
***
البشرية لا تخرج الآن مع أحد
تجلس في المكتبات القديمة
تبحث عن أصابعها
أو تتجول في حدائق وهمية
احتفل التاريخ بها
وربما..
تدندن بصوت مسموع.

إبراهيم داود
حالة مشي


Wednesday, October 20

الموتى


منذ صارت المقابر أحد أحياء المدينة
وهؤلاء الموتى لا يكفون عن إثارتي
أمس خدعني أحدهم أيضاً
قال إنه رتب كل شيء
وإنه يتحدث عنهم جميعاً
وناولني صكوكاً مذيلة بتوقيعات وأختام
الصكوك الصفراء اللعينة التي يتركها الموتى عادة
وقبل أن أجد الكلمة المناسبة
كان قد تحصن في ابتسامته الراضية
ومات
مثلما يفعل عادة
هؤلاء الذين أراحوا ضمائرهم.

محمد صالح
صيد الفراشات

Sunday, October 17

الألبوم العائلي للموت


آخر صورة أضيفت للألبوم العائلي للموت،
كانت بمثابة جدة لي.
في درجة من درجات غيبوبتها
كانت تضغط بإحدى يديها على يدي،
ويدها الأخرى كانت تصفف خصلة شعرٍ هشة،
طيرتها أجنحة ملاك الموت.
الحركة التي كانت ترددها دائماً،
عند الاستيقاظ من النوم
واستقبال يوم جديد،
بشعر مصفف
بمفرق لامع البياض.

في عروق زرقاء،
كنت أجس هذا اللحن القديم للحياة،
النبض وهو ينسحب تدريجياً
ويخلي المكان لصمت طويل

 علاء خالد
كرسيان متقابلان

Wednesday, October 13

الجوع


لماذا لا أجرب أن آكل شيئاً جديداً
كخارطة السودان مثلاً
أو آكل دلتا مصر في قطاع طولي
من افتراق الفرعين حتى المصب
بالطمي المتراكم عبر ملايين الأجيال
أو آكل مكتبة هائلة
تغص بالكتب الضخمة عن الروح
أو قاموساً للغة الفرنسية
حتى تطفر الدموع أحرفاً من عيني
لماذا لا آكل امرأة رائعة الجمال
نيئة إلا من أنوثتها
لماذا لا آكل مخزناً كاملاً
لصواميل الصلب الخاصة بالمحركات الثقيلة
لماذا لا آكل حزباً شيوعياً
أو مدينة بأكملها ولتكن دمشق الشام
لماذا لا آكل شيئاً كقاعة "سيد درويش" التي بأكاديمية الفنون
لماذا لا آكل شيئاً نسيته بأحد الأحلام
وبحثت عنه سدى في حلمي التالي

قرصني الجوع ولا زلت أسافر
وأنا زاهد فيما تأكلون.

ياسر عبداللطيف
جولة ليلية

Saturday, October 9

سنتمنتالية


كنتِ ستموتين بين ذراعيّ
أليس هذا ما اتفقنا عليه؟
ماذا أصنع إذن بأقراص الفاليوم
التي اشتريت لكِ منها علبة كاملة؟
هل أبلعها أنا!
لقد تبدلتِ سريعاً
أصبحتِ فجأة تتشبثين بالحياة
يا للعجب
..الحياة!!
أليست هي النفق المعتم الكئيب
ورحلة العذاب المتخبطة التي لا تنتهي؟!
ثم ماذا سأصنع الآن
بالقصيدة التي أعددتها لرثائِك؟
هل تسخرين مني؟
لن أغفر لك ذلك أبداً
....
لكن الآن
ما العمل؟
بعد أن رتّبت حياتي المقبلة بالفعل؟
حياتي!!
.. لقد أطحتِ بها بضربة واحدة خرقاء
كنت أوشكت على توطيد علاقتي بمحل الزهور
من أجل أن يخصّني بأجملها وبسعر مناسب
حتى يتسنى لي الرحيل إلى قبركِ كل أسبوع
وفي يدي هدية جميلة
إن قلبي منذ الآن يدق بعنف
كلما مررت بشارع " صلاح سالم"
وحنين جارف يقودني دوماً إلى "البساتين"
حيث مقبرة العائلة
والبارات:
أجل..
عثرت أخيراً على واحد هادئ وقديم
نوافذه عالية وحوائطه الخشبية صفراء
لأذهب إليه كل ليلة
وقد حددت المنضدة المنزوية التي سأقضي عليها بقية أيامي
أشرب.. وأدخن.. وأبكي
وسيغدو بإمكان الشعراء الشبان
أن يشيروا إليَّ دائماً:
"إنه السنتمنتالي المتوحد الحزين"


أيتها الجبانة

لقد أفسدتِ كل شيء.

أسامة الدناصوري
عين سارحة وعين مندهشة

Monday, October 4

أغنية الحنان


أطاحت الخمرة بعشرة رؤوس
في المقابل
لم نخسر أرواحنا
دخلنا بيوتنا كغرباء
سهونا
حتى صارت لنا لحي طويلة
وحين توسط القمر
وأصلح المغني أوتاره
سطونا على غسيل الجيران
آهاتنا العالية
أمّنت ظهورنا في العودة
دفعنا أبواباً، موائد، وكراسيّ بالأقدام
أعماقنا حجارة خفيفة ومشطوفة نقذفها باتجاه البحر
فتقفز على سطوح الأمواج ملسوعة وضاحكة
نحن دببة الشعر الكسالى
نجلس على مؤخراتنا ونتطوّح
نتفلّى
حتى تدمى الأصابع
ويلكز بعضنا الآخر منادياً بالأسماء كي لا ننسى
نروح إلى العالم بجفون ثقيلة وأحذية قذرة
- أين مصروفنا؟
....
يا حنان
آتنا بكتف المحب، وعكوته
آتنا بالمخاصي يا حنان
آتنا برأسه في مرقة
من عينيه تسقط حبَّات البازلاء
وعلى لسانه يختلط الحب بالجزر
يا حنان
آتنا بحبيبته لنضاجعها على السفود
واحداً واحداً نسقط في النار
ملامحنا ترق وتصفو
يا حنان.. لا تنس أيضاً
نحن أبناء عائلات
نحن أبناء شياطين وقتلة يا حنان
كانوا يمرون من هنا
كان في استطاعة أحدهم
أن يشعل لنا سجائر
ويتبادل معنا كلمات
الكلمات
الكلمات
كم هي معجزة
نتكلم، وليست لنا كلمات
نتكلم وبحة أفكارنا كسكين صدئة
كسحابة من الندم محروسة بمزاليج وأقفال تجلجل
نتكلم وليست لنا مصابيح يا حنان
كان باستطاعة أحدهم أن يعتذر في عجلة
- هه.. إن له اهتمامات
في صحتك يا مانولي
عشرة جنيهات تحترق في ثمالة الكأس
عشرة أخرى من أجل صليبك
دسسنا أيادينا في معاطف الصوف
وحملناه على الشاحنة
نهبط المدن عند الفجر بأنوف ترشح
تلحس أقفاءنا أحلام باردة
ونطيل الوقوف في المراحيض العامة
لا أحد يفهمنا
من أجلنا جرى الدم أسود
وفي اجتماع الظهيرة حل الحزب نفسه
القاتل كان منا
طوح بزجاجة، وبكى
عالم رياضيات، وعاشق فاشل
وعلماء رياضيات قادمون من غرف ضيقة
من القرن التاسع عشر
من الحوائط مقشورة الطلاء
المسجل عليها حسابات القيامة ودوائر الجحيم
ودائماً بالابتسامة الملتوية
لفم يعجز عن اكتناه المسرات
يحلمون بسجون ذات أسوار عالية
وأخرى مفتوحة على الصهد
يحلمون بكرات الحديد تجر ظلالهم المسلسلة
بانصعاق الروح
أمام الحجارة البيضاء الرائعة
بطرقات معول كونيّ لا يتوقف
بشهقة الإلحاد
في عمل يائس لا ينتهي
عمل لا جدوى منه
وداعاً يا مانولي
شيء واحد معنا؛ أفكارنا
لا.. ليست لنا أفكار
وداعاً يا مانولي
سنتزوج حتى تكون لنا أفكار
وبعدها أيضاً
سنحمل أخف الحقائب، وبلا حقائب
من يدري
كانسياب شلال
كهباء يرى مرة واحدة
كصفارة باخرة تميل عن الرصيف
كلفتة توديع من القرن
كشعر للفتنة
كنشيد

مهاب نصر