Thursday, January 27

نحن الطالبين فى كل مكان غمار الافق 

لسنا بأعداء لكم 
نريد أن نمنحكم كل الرحاب الغريبة 
حيث يزدهر السر الخفى ويبيح نفسه 
لمن أراد إجتناءه 
هناك أوقدت نار جديدة 
وتراءت ألوان لم تبصرها عين 
وأومأت خيالات شفافة 
تريد أن تتجسد 
فرحمة بنا ........ 
رحمة بالمكافحين أبدا 
على مشارف اللانهائية والمستقبل

 Guillaume Apollinaire

Wednesday, January 26

جندي

طلقة تصيبه في جبهته. لن يعرف
اسم مجرى الماء الذي كان يسير بمحاذاته.
(القصة حقيقية، وأكثر من شخص كان هو)
سقط على وجهه فاتحاً ذراعيه.
يتأرجح الهواء الذهبي عند أوراق
غابة الصنوبر. تميل الشمس بنصفها؛
الساعة رقيقة. بدقة تتسلق النملة
على الوجه الخليّ. ستصعد الزغردات.
كل شيء يتحوّل ويتحول
حتى ذلك اليوم من المستقبل الذي سأناديك فيه،
أنت وحدك، لم يسهر عليك أحد ولم تعرف حظوة
الدموع، سقطتَ كما يسقط الرجل الميت.
لن يحفظ ذاكرتك أي رخام.
ست أقدام من الأرض هي كل مجدك القاتم
.

Jorge Luis Borges
ت: انطوان جوكي

Sunday, January 23

وحدي أعرف أنني جميل

القداحةُ التي تُشعلُ تبغي
صباحاتُ خير الأصدقاء
سبعةَ عشر عاماً تنسفُ الخجل لتزداد جمالاً في عيني
صوتُ أمي في الردهة
فتاةٌ جعلتني أراقب البسمات التي أطلقها في الهواء
الكلام الذي سمعته مني
جدي الذي مات يحلم

صديقٌ يسهر العدمُ في غرفته
يغسلُ أعصابه في نهر أسفل الطاولة
يُشكلُ النجومَ بسماء غرفته
بطريقةٍ تسمح لحبيبةٍ في البعيد
أنْ تبتسم ...

رجلٌ تَعلمَ الصمت
عادةٌ تحرمني الأهلَ والأصحاب
الليلُ أمام البحر
حبيبةٌ أبحثُ عنها في زجاجةٍ وأنا أضحك
قصيدةٌ لصاحب أعرفُ منها كم هو جميل
واحدةٌ فضلت صاحبي و تركت لي نزهتين في الصيف
جواربي في الشتاء
كوبُ قهوة
ومَن يظن الحشد مخبولاً يسألني : متى الله ؟

عن السنين التي أخبرتني أمي : لا تتأخر خارج البيت
شحوبٌ يُصيبُ قلبي
والطفلُ الأشقر خارج مضلعات العين

الليلة أحتاج امرأة
لأنَّ عندي كلمات جميلة و متسعاً من الليل

أمي , سأكون جيداً , فلا تمارسي خوفكِ الجميل
إذ أنَّ أعصابك في عامها الأول وتنتفض
سأجد لي فتاةً مثل الآخرين
أخرج من صوتها جميلاً
سأذهبُ لرفيق لي على حوافِ المدينة
يشربُ الشاي في حالةِ حب

سأطرد الغبار أعلى صورةِ جدتِك
التي كنتِ تخبرين أنها رائعة
وأنا أداعبك بأنها لم تكن

ألفُ جنيه أعطاني إياها
أخ لكِ لاقى حتفه في جيبه الثقيل
ماذا أشتري لأمٍ ميتة ؟
لي رغبة أنْ أوجدك ...
وأرش العطر على صوتك في الذاكرة

الوقت الطيب الذي كان بين الثانية عشرة والواحدة
الذي كان زوجك " الطفل للغاية " يسألكِ عن أشياءَ غريبة
كبدلةِ الجيش أو أغنيةٍ كتبها في مطلع الثمانينات
على علبةِ تبغ حمراء

الآن .. بين الثانية عشرة والواحدة
طابور دمع ,
نداءٌ يبدو أنه من " صمت "
وقتٌ طويلٌ
وصوت يفتح نوافذ للبكاء ...
غير أنَّ لي صديقةً سمراء , تفضلني
كأنها زغب روحي المنزوع
ووحدها تعرف أنَّ الحب فنار ذهني

ياقةُ القميص , يا حبيبتي
ربطةُ العنق التي لم تكن معقودةً بشكل أمومي
أضحكت الأصحاب

أمي التي تشبه الخرافة
وأكون جميلاً وأنا أطالعها

أخبروني : حتى " قدماك " لا تسير مع الإيقاع بشكل صحيح
و لا أعرف لماذا أخبرتهم :
" إنها تسير بشكل إنساني "
يوصلون ضحكتهم و أواصل افتقادك ...

في الحفلة أوزع قلبي
وأتذكر أنه كانت لي رغبة
أنْ أحضر عرضَ ضفيرتك الرمادية

أمي : لي رغبة في قضم الغياب
أمي : أصحابي سريعون
أمي : البنايات تزداد طولاً
وأنا كما أنا جوار تنورةٍ لكِ حمراء
أمي : لأظافر يدك قلبٌ إنساني
أمي : لعينك على خطوتي القادمة قلبٌ يستطيل

في الحفل وجدتُ أماً تخبر طفلها : لترقص جيداً , قارب قدميك
وتذكرتك : حين تكون حزيناً , لا تحزن
أنني أحبك باستفاضة
وأحتاجك لأنَّ الموتَ ليس مبرراً كافٍ لليتم

رغماً عني يصيبني قلقٌ على امرأةٍ ميتة
ابتسمتْ لي اليوم واحدة , ذئبةٌ وجميله
ثم انزعجت سريعاً
رغم أنني لم أكن إلا شخصاً طبيعياً
حين ضحكتُ لها من قاع قلبي

يا أمي أعرف أشياء تمنعني من الرقص
فثمة صديق لزوجك أخبرني : تكتبُ على منوال الدم
وأخر يعتقد أنني أرسم دمعاتي وقتما أشاء
غير أنَّ الأمر لا يعدو أكثر من رغبةٍ في الحياة
وأنا بسبب الوقت , أقيم ميزاناً
وصوتك راجح في شغفِ اليتامى

كنتِ كاذبةً بشأن الخمر يا أمي
إنه طيبٌ جداً ويروقني

انكسرت قصيدتي
بدأتُ في مشاهدةِ الصوت و سماع الزحام
بينما أشير لصوتي نحو عينك

هل تتذكرين عينك يا أمي ؟
كانت سوداء وتاريخ الليل يتظاهر في نهايتها
وأنا كثيراً ما وجدتني على عتبة الدار
حيثُ كلُّ يُتمٍ .. على عتبة الدار

صدقيني يا أمي
أنا جيد وفي حالٍ مزاجيٍ تشبهك
لكنني من حاجةٍ لأخرى
أفكر في دمعك الذي لا ينتهي ويسهر مع شرودي

أُبْعِد عيني عن الدرج , أشيح بها عن دلالةِ الغبار
كي لا أصبح قارباً
سأعود إلى البيت , سأجد الأوراق ولا أجدني
عليكِ وعلى صديقي الذي يفضل القصائد البيضاء
أنْ تسامحا قصيدتي الرديئة
أحب حياتي التي لا تقدم سوى هذا النوع من الكتابة

إنَّ رفاهية العهر لا تسمح لصاحب النظارات الجيدة
أنْ يأخذ شامةَ وجهها من قلبي
حلمتُ أن " يوسف " نبي الله
سرق وجهي بينما تشكلين الوداعة

أخبرني , كن واقعياً , لا تكتب لها قصيدة
هي تريدنا قوارب للمرح , " فتخشب "
وأنا يا سيدتي , ضحكت
إذ أنني رغم قروحي الصاخبة
لا أتحمل الحس الجماعي
كما أن رغبتها لي وحدي
إذ أنها جميلة

مُتعبٌ , بينما الحفل يمتد
أراقب " أدهم " الذي يبكي كثيراً
كانت لي رغبة في أنْ أقبله
لكنني أعرفه ضعيفاً أكثر مما ينبغي
إنني أضحك الآن

مرةً تظاهرتُ بالكتابة
لتعرف الفتاة أنني شاعر
حين حكيتُ لضحكتك التي تشبه البكاء
أخبرتني : لا تنتظر , كل شيء يأتي وحده
واليوم أذهب للبحر حيث أعود جميلاً
أتظاهر بعدم الانتظار ولم يأت أحد

يمرون و يخبرون
" أنت بحاجة لطبيب , أنت بحاجة لخرافة "
نعم أحب المخاوف كما أخبرتهم , لكن التي تولد مني
لا التي تخرج في نوباتِ حس مفتعل
لي أنفٌ واحدة , مثلهم
وكرجل عادي تماماً , أحب الدفء والخريف

يؤلمني أنَّ النبض وحده ذريعة للغد
وأعرف أنَّ الحياة يلزمها بيت
وأنَّ الزمن يبتلع الرفاق

" ما أحلم به , مشاع للآخرين "

أُبْعِد تبغي خوفاً من هاجس ضفيرةٍ
دائماً ما تباغتُ غرفتي و تضحك

جميلةٌ يا أمي .. مقاعد المقهى البحري
خشبٌ , قطيفة حمراء وسعفٌ لا يمنع المطر
أنْ يلامس أهدابَ حبيبةٍ سمراء

جميلةٌ هي الحياة , بها أصحابٌ يخربشون الندم
بزجاجات وأحلام يصفونها بالصغيرة يا الله
يصنعون ذكرياتٍ وأسرةً دافئة بينما يمضغون الساعات
وأنت يا أمي تتناوبيني كحالاتِ الجسد والحالة
أحب العجز الخارج من مسافة أقضمها
لأستريح في ظلك

مرةً ساقتني الوحدة
لأشهر الوعي في وجه امرأة
رافقتها ولم أصل للبهجة
لكن حين دخنا سوياً على النافذة
وبينما أتابع قوارب تنزلق من عيني للحس
كانت تحكي :
" لم أكن أرغب أن أكون هكذا , لكنني كنت "
كان لي رجل , أحبني ثم غادر للخطوة العامة
صرت أفتح الباب للريح
والخريف يزور رغبتي في البكاء كأم لا تمنع
أنا جيدة
أصفف شعري و أضحك من غزوات الشيب بلا شهية مني
ابتاع زجاجةَ عطر من متجر بالمدينة
به أرملةٌ صديقتي , تشاركني البكاء على الأمس

أعرف الشعراء من مشيتهم , أرافقهم لغرفتي
أنا جيدة , لي بيت على البحر
حيث أدخن , أسكر وأضحك من رجل
نسى صوته في غرفتي وسافر ...
وبينما الحفل يخرج إلى الطريق
جاء رجل مهندم على كتفه ثلاث خيبات
ما أخبرنا إياه بطريقة رمزية " ممنوع الفرح "
لقد تشاجرت مع قلبه
صرخت , سأرقص في مدرسة لفتياتٍ صغيرات
سيضحكن وستصاحبني واحدة مع نبيذ
ونمارس الحياة

يا أمي , جميلة هي الحياة
وأنا أحرجت العالم ذات مرة , إذ خلعت الخجل
لكن في خريفٍ بَعدك , بينما الأشجار تبكي أوراقها
كانت لي رغبة في الرقص
تذكرت نصيحةً لكِ عن المعاطف التي يحبها الخريف
رجعت الدار وكنت مهموماً بأسئلةٍ كبيرة
كما يقول أبي

أحوز النسيان / السعادة
بعشرة جنيهات
لكنهم أخبروني " هذا يُسمَّى فرار "
وكانت كلماتٌ على وشك الفم .. ابتلعتها
إذ خفت أن أكون قديماً وأنا لا أعرف
" أطلقوا على البلهاء طيبة , ليتسلل الحب "
لم أخبرهم قطعاً ...
حسبتها كلمات جديرة بمسيح
وفي أعوامي الأخيرة , تعلمتُ شيئاً اسمه .. العبث
وحين أهداني أبي كتاباً ذات يوم , وجدت العبثَ قديماً فضحكت
العبث ذاته الذي كنت أسميه :
" سيان الجينز والأغنيات التي لا تروق "

أسند رأسي بخرافةٍ , أواصلُ البحثَ عن أكواب الشاي
التي لا تغادرها غبرة الحذر من الأطفال
إلا حين يأتي لكِ أخ بجيب ثقيل
مهووس بالنظافةِ كونه لا يعرف الحياة

أبحث عن رباط رأس , عن مشبك أحمر كنت أحسبه
فراشةً تلهو في ضفيرتك السوداء
أبحث عن الردهة القصيرة
وأمزح بطريقةٍ رديئة
" إنها تتمدد في الحنين "

ها أنا , يعلمني اليتمُ الخرافة
ها أنا شاعر رغمهم
كميثولوجيا في مقهى المدينة
أمامي مقعدان فارغان ...
بحر وسؤالٌ كبير

معذرة يا أبي ...
لو بكيت بما يكفي , هل ...... ؟

وبينما الفجر بسترته الفضية
يسقط على عتمتي
كانت لي رغبة أن أعود لصديق لي
تركته يتعثر في صوتي عن وجهك ِ

أعرف أنَّ ما أكتبه سيئٌ و مليءٌ بالتفاصيل
لكنها الحياة , تعرفينها
لا تتذمري , بل اضحكي

في صباحٍ كان مزاجي سيئاً
عيني على تاريخ الموتى بينما أنتظر
وكنتُ جيداً في صباحٍ آخر
...إنها الحياة , تعرفينها و تضحكين
 

" وحدي أعرف أنني جميل " 

لا بأس يا أمي , كلُّ شيءٍ يأتي وحده
تصبحين على خير .
كريم سامي 

Thursday, January 20

بائع الورد

العشب الذي يتمخض
فتكون رائحة
محملة بالماضي وبالحبق البري
هو العزلة
الخاوية من الداخل أو بحيرة البط عندما تطفو في ذاكرة
الهواء الخفيف
هو أيضا
صدى صراخي
الذي حبسته بين
أربعة جدران
حتى صار
كالخوخ الجاف
هو السكينة
حيث تنضج الأشياء التي تؤلمنا
وتمنحنا السعادة
الشبيهة بالمشي من غير هدف
نمشي فقط
لندرك
أخيرا أننا مشينا
هو النداء الذي مثل جرس المدرسة
بإنشاده ركب أعصاب البرق،
والرعد شيده بآلام
الشعراء التي مثل أصوات
الحطابين الغريبة تنبت في أحشاء الغيم
الذي لاينتمي إلا لنفسه
حيث مزامير وطبول وشلالات
الفقدان التي انقرضت، وجحافل
المخيلات التي لم نعثر عليها في الكتب
القديمة،
الذي لكم يمر جانبا بأصواته المبهمة
مثل تمايل القصب،
أحيا لأقولك
أقولك لاحيا
لافرق
ولأنك ترتعش من المطر
فتبدو كما لو كنت تصلي
في قلوبنا
ما الذي ستقول لنا
عندما ستفرغ من صلاتك
ولأنك أول من رأى
الطيور تحتحت الضوء
بغنائها
هل كان لنا ألا نحيا
لنلمس
الصمت بعد أن زبرته الريح
حتى صار كالقطيفة.
وهل كان لنا
ألا نلمس الأحلام
بأصابعنا المرتجفة كالخريف
ونتحسس حطامنا
الذي
يحيط بنا كغابة البلوط.
ننطفئ
غير
أننا لانخمد
إذ في داخلنا
مراكب وداع وفيرة ومخذولة
تغمرنا
مثلما يغمر الضوء
عظامنا المهملة
تسير، تسير فاتحة طريقها
بين الكوابيس، والذكريات
المؤلمة.
ربما جنود يتدافعون
حول النار
في الشتاء البارد
ما رأيناه نجمة
وربما غناء
يسبح عاريا
مع الغيم
ما رأيناه عراكا بين القبائل
هل نستطيع أن نكون
أكثر رسوخا
من صمتك
الذي هو أعناق
الطيور المهاجرة
وانحناءات ظلال القصب
وليالي الشتاء الطويلة المدونة
في الكتب
حيث تنزوي وحدك
تشذب الورد
بعيدا عن نباتات الدلب المحشوة
بأسرار الشرق،
وعن أشجار الخروب الوحشي الذي
كأصابع التنين
وعن عواصف الصحراء المحملة
بالبرق
وعن الحشرجات
تدب في أوصال الرعد حتى ينبت
للريح زغب يلهم الشعراء
أنا مثلك
بطيء ودافئ
ليس لي إخوة
غير الجداول التي تغذيني
وضفافي الملساء التي تتآكل بخفة
الفراش،،، مثلك
ﺃطعم الحيوانات الهرمة عندما تنبطح
في ليل عزلتها،، ومثلك
ﺃجمع لها الأخبار من التبن وجذور
القصب
قبل أن ﺃصدح بالأغاني
وأنا ألج الغابة
ولا أتخلى عن أشيائي :
ﺃحضن طيني وصلصالي
وتياراتي أتخلص منها فتسقط في
أحشائي
حيث حشود الطيور التي بمناقير
كالموز، والطيور التي تسكن التيارات
والطيور التي يغطي أرجلها ريش
وهي تصدح بالفصول
فاصدح بغنائي
عندما تأخذ قيعاني في التآكل
إذ أنا
كعراف القرون الغابرة
بمنخفضاتي التي تتجمهر في أعماقي
ويكفيني عمري الذي ينحدر من عمر
النجوم
- عندما تظهر علي ملامح الاكتئاب -
لأقشر ضوء النهار
والتهم أنفاس الخدر
المنتشر كالطاعات،
وأستريح من السباحة في النسيان
إذ وحدهم الحدادون يملكون الحقيقة :
طالما رصدوها في مطارقهم التي تقول
دوما نعم وهي تهوي على المقابض
والمناجل
نعم وهي تهوي على السكاكين
والسيوف والرماح
نعم وهي تهوي على الخناجر والقيود
والأفكار العظيمة
نعم
نعم
إلى أن يكون بريق حريري
مثل حوصلة الحمامة،
بريق يمنحني الأمل
الأمل
الذي لايشيخ
لأنه يعشق المشي الحلزوني
والظلال الكثيفة
التي مثل الفلين تغلف أنفاس اليأس ليبقى طريا
وأبقى جواره لا املك شيئا
وأخاف أن أضيع مالا ﺃملك
لا ﺃسمع شيئا
وأخاف أن ﺃفقد ما لا ﺃسمع
لا أتذكر شيئا
وأخاف أن ﺃفقد ذاكرتي المحشوة
بالنسيان
وحدي
وحدي بعظام حقيقتي
التي تتصبب عرقا
فقط هناك قريبا مني صوتي:
الضوء المولع بقضم أظافره
الضوء ذو المخالب المقوسة
والأرجل التي تشبه المجاديف
الضوء الذي انقرض منذ آلاف السنين.

محمد الصابر

Tuesday, January 18

قطراتُ المياه 

تركت أمهاتِها 
فى الينابيع 

.واغتربت فى الشِّعاب 

سماء عيسى

Sunday, January 16

أكان مؤثرا يا هالة ؟


الخطوة الواسعة بين الغرف إلى حد الإنهاك
الرغبة في اختراق الحيطان
كسر مرآة الحمام بضربة بالرأس
غرفة واحدة كانت تكفى
لخطوات أقل
واحتياجات أقل
ومخلفات أقل

لن تتخلى عن الشماعة
الشماعة التي أحضرتها هالة
هالة التي انفجر بطنها في شهرها التاسع.

صورة لعين تخرج منها طيور
يتغير لونها مع الإضاءة
رمادية في الشمس
زرقاء في الظل
صورة هالة أفضل
تضع المصاصة في فمها،
ويدين رفيعتين حول خصرها.

في المطبخ تفاحة مقضومة
تشبه قلباً مفتوحاً
فيما كان يفكر حين رسمك؟
هل كان يأكل تفاحة؟
أم تذكر بطنك المفتوح وهو خارج منها كناجِ من مجزرة؟

كنت يا هالة..
الفعل الماضي قاتل حين يقترن بالأشخاص
أصبحت اسماً
مجرد لحظة انعكس فيها الضوء على جسمك
هل هذا مؤثر بما يكفى؟!
حليّك المقصوصة صهرها الصائغ
الصائغ الذي باعها لك
هل أنت سعيدة
ألن تخبريني بالسر
إذا كنت سعيدة حركي الشماعة
الشماعة البلاستيكية خلف الباب
أنتِ دققت مسماريها
أتذكرينها؟
أكان مؤثراً يا هالة أن يدفن زوجك وجهه في بطنك المفتوح
لتنهى اللعبة
أتذكرينها؟ لعبة التحديق
هل نظرت في عينيه؟
أهي آسرة لهذا الحد ؟
أم مرعبة ؟
أم هو الصمت الذي يهبط فجأة ؟
فتكف العين عن الحركة
والعروق عن النبض.

أيامٌ وتتحولين إلى تراب
ترابِ أبيض
!أيعجبك هذا اللون يا هالة ؟

زهرة يسري
نصف وعي

Thursday, January 13

الموت، فجرًا


 يفتحونَ أبوابَهم قبلَ أن تطلعَ الشمسُ 
يفتحون الدَّرفتيْنِ 
لتدخلَ الشمسُ كلُّها. 
النسيمُ في الفجرِ 
سَقيُ الزهورِ في الفجر 
حُبُّ الحياةِ فجرًا، 
وفجرًا 
دخلَ شعاعٌ 
من بين خشبِ الباب 
وصنعَ زيحًا أبيضَ 
على رموشٍ مغلقة. 

وديع سعادة
بسبب غيمة على الأرجح

Monday, January 10

الجميلة


رأيتها على الرصيف، قبل أن يحملوها مباشرة
فى ذلك الصباح الذي طلع علىّ فى الشارع.
كانت امرأة،
يثبت ذلك استدارة الساقين المكشوفتين
والردفان العريضان.
وسط المارة المتحلّقين حولها
وسط صيحات رجال الإسعاف وأمناء الشرطة،
استطعت تمييز رسغيها،
ملامحها غابت عني، إذ كان وجهها باتجاه سور المبنى
على الرصيف، فلم أر ملامحها.
اعتادت أن تنام فى هذا المكان،
واعتاد الكناسون إيقاظها فتمضى مسرعة،
كمن اقترب موعد سفره
لكنها لم تستيقظ اليوم،
رغم كل محاولات الكناسين،
فغطوها بجريدتين جديدتين، وتعمدوا إخفاء وجهها
حتى لا تتعكّر الحياة الجميلة.
ثم جاءت عربة الإسعاف
وجاءت المشرحة
وجاء الحارس على مقابر الصدقة يفرك كفيه باسما
وجاء طلاب الطب بمباضعهم المسنونة
وأنا،
رأيتها قبل أن يحملوها مباشرة.

كريم عبد السلام
مريم المرحة

Friday, January 7

مطْرحٌ دافئٌ على ضفَّة نهر

رجلٌ
ككومةِ ظلٍّ جوارَ حائطٍ
كانْهدامِ نورٍ مُفاجئٍ
من نافذةٍ مفتوحةٍ على الفراغِ
يضحكُ في سعادةْ.
أصابعه الخمسةُ في كفِّهِ اليُمنى
قبضتْ على شبحِ فرْحةٍ طارئةٍ
بداخلهِ كنتوءْ
ضغطها بقوةٍ
وأرهفَ سمْعَهُ لصوتٍ
كنقْنقةِ ضُفدعٍ وحيدْ
ضُفدعٍ
يحتفظُ بمطْرحهِ دافئاً مثل حضْنٍ
على ضفةِ نهرْ.
رجلٌ سعيدٌ
ينصتُ إلى صوتِ تحطِّم الهواءِ
في قصبتهِ الهوائيَّة
بشغفِ أصمْ
يختبرُ أحبالَهُ الصوتيَّةَ
بعد طول توقفٍّ
فيما تتَّسعُ أذناهُ
لخشْخشةٍ تئِزُّ تحتَ قفصه الصَّدريِّ
الملغمِ بالنيكوتينْ.
طيفُ السَّعادةِ
الَّذي مرَّ بخفَّةِ صبيَّةٍ أمام عينيْهِ
تجسَّدَ في كُرَتَيْنِ شفَّافتيْنِ من الدَّمْعِ
كُرَتَين
لسعتا عينيْهِ الخَرَزيتينِ
فارتعشَ جَفناهُ
كأنَّهما يحتميانِ من هَبَّةِ هواءٍ مُفاجئةٍ
هبَّةِ هواءٍ
كانتْ كفيلةً بإسقاطِ الكُرَتَيْنِ على خديْهِ
وإشعارهِ بافْتضاحٍ مُنهِكٍ
ومُذِلْ.
رجلٌ
ككومةِ ظِلٍّ جوارَ حائطٍ
كانْهدامِ نور مفاجئٍ
من نافذةٍ مفتوحةٍ على الفراغِ
يتذوقُ مِلُوْحَةٍ حارقةٍ بين شفتيه
ومثلَ طفلٍ
يُشْبهُ ضُفْدعاَ وحيداً
يحتفظُ بمطْرحهِ دافئاَ كحضْن
على ضفةِ نهر
انفجرتْ دموعُه في بُكاءٍ حقيقيٍّ
بكاءٍ
حاولَ خلالَهُ
القبضَ على طيفِ السَّعادةِ
الذي مرَّ بخفةِ صبيَّةٍ
أمامَ عيْنيهْ.

عماد فؤاد
تقاعد زير نساء عجوز

Tuesday, January 4

كأننا نخوض معركة دون أن نبرح السرير

سوف أستعيدك الليلة 
كي تجلسي بجانبي على الأريكة التي تقادمت
و تخبريني لماذا زرعنا ورودا كثيرة في الليل
ثم استيقظنا على حقل شوك

هل كنا على خطإ حين أغمضنا عيوننا عن الذئاب
و جلسنا نطعم السناجب وصغار الحساسين؟
هل كنا واهمين حين عدونا باتجاه الشمس
و طفقنا ندس أقواس قزح في الجرار؟

كل شيء من حولنا صار يشبه غابة تحترق
و الأفكار التي آمنا بها 
صارت ماء قديما في إناء
خبريني إذن لماذا تفحمت أحلامنا؟
لماذا صارت الابتسامة على شفاهنا ثقيلة و غير مستساغة؟
كأن عاصفة مرت من هذا المكان
كأن أحدا ما نصب الفخاخ لأقدامنا الرطبة
تؤلمني الفخاخ مثلما يؤلمني غيابك
أعرف انك ذهبت بعيدا
وربما ليس بمستطاعك الآن أن تعودي
لكن دعيني أخبرك شيئا
هذه الغرفة تحتاج إلى حنانك
هذا الشعر الذي خف و شاب قليلا يحتاج إلى يدك
يدك التي لا تشبهها يد
يدك التي لن أنساها، لأنها لم تكن لك
كانت يد قديسة.

أريد أن أرفع لك العزاء
لكني لا أجيد تلك الكلمات التي عادة ما يرتجلها البشر 
في ساعة مؤلمة
أعزيك إذن في الدمى التي كانت ترقص بغرفتك
أعرف أنها ماتت بسبب الإهمال
و بسبب النوافذ التي ظلت مفتوحة في البرد
أعزيك أيضا في النوافذ
و في الستائر الوردية للنوافذ
في المكتب، و في أدراج المكتب
في الدولاب
و في المشجب الذي كان على مقربة من الدولاب
في الأباجور، و في المصباح الخافت للأباجور
في السرير
و في الطاولة الصغيرة التي كانت تحب السرير
الطاولة التي كان عليها ركام من شرائط الموسيقى
أعزيك في أغنية قديمة لفيروز لم يعد لها الآن مذاق.

بعد عشر سنوات من النسيان
لم يتغير شيء
أنت صرت زوجة في قفص
و أنا صرت كهلا بلا جدوى
لازلت كعادتي أشرب الشاي
و أكتب قصائد عن الحب
و عن رغبتي في أن يتغير طلاء الحجرة
لقد دسست أزهارا كثيرة بين الكتب و الأوراق
أعرف أنها لن تنمو
لكنها على الأقل ستطرد اليأس من قصائدي.

إنني أقف كشبح وسط الرتاج
أستلذّ بما حولي
و بالأشياء التي لم يتح لي من قبل أن أراها
و حين يغمرني الضجر
أستحضر روح جدّي وسط الخراب
و البرد و الصقيع و الجدران التي هدّتها الصاعقة
و أصرخ بأعلى ضجري في الريف:
لست جدّي
أنت جدّ الجدار، و جدّ الحظيرة
جدّ حقل يابس من القمح
جدّ الهضاب و التلال و الأهوار
لست حفيدك
أنا حفيد أفكاري
حفيد المرامد و الليل و الأرق
حفيد فزّاعة تخاف من ظل طائر جبان
و حين تنتهي التميمة
و يختفي طيف جدي
أعدّ جرارا فارغة
و أجلس أرقب المدافن
أنتظر أن يصعد الذهب من الأرض.

إنني أهذي
لكن وعيي حاد مثل معول
و إذا ما بدوت لك أدنو من الجنون
فلأن يداً سوداء تدفعني من الخلف.

كأننا نخوض معركة
دون أن نبرح السرير
كأننا نقاتل ضد الأغراب
مع أن أطيافنا قد شلّها الخدر
لماذا نحس بشيء لا رغبة لنا فيه؟
لماذا نجد أنفسنا في ساحة لم نسرْ إليها يوما ما؟
لماذا ننام في غرفتنا ونستيقظ في غرف أخرى؟
نرتدي معاطف الوبر في عز الصيف
و نسير في طرقات نجهلها
و إذ نسير نتعثر بأفكارنا
ينبت العشب فوق عيوننا
و شيئا فشيئا تتحول أقدامنا إلى أخشاب

كنت أركض في الأجمّات 
مثل نمر يتعقب طريدة
و ها أنا اليوم أرشو الاشجار كي تخفيني
لست خائفا مما مضى
لكنني خائف مما سيأتي
أخاف أن أضع يدي في جيبي فتلسعني العقارب
أخاف أن أخطو باتجاه البهو فيصعقني الكهرباء
أخاف أن أفتح لك الباب فتداهمني دبابة
غصن شجرة السنديان يتخذ شكل البندقية
و العصافير التي تطير فوقنا 
تشبه القنابل التي تسقط من السماء
لذلك فشعوري اليوم 
هو شعور رجل يستسلم قبل المعركة 
ربما لا ترين الأغلال في قدمي
لكن شفتيّ تتمتمان بلعنة لا نهاية لها
تعالي معي إذن لنجوس التلّ 
و نلعن كل الذين أوقعونا في هذا الشراك.

كان أولى لنا أن نشبه قليلا بالملائكة
ألا ترين أن هؤلاء البشر لم يعودوا بشرا كما كانوا
صاروا مستنقعات كبيرة من الدماء
و أنت تعرفين أني أكره الدماء
لذلك فثيراني تشيخ في حظيرتها
لنجرّب إزدراد الأعشاب ربما تصيبنا الرحمة
الحيوانات أليفة كما يبدو
و الإنسان هو الضاري
و يوما ما ستطول أنيابه 
و ستنبت في يده المخالب الجارحة.

إنني أنام على سرير في غرفة عالية
و مع ذلك أحدس أن طوابير من الافاعي
ستصعد الأدراج و تلدغ كتبي
كم سيكون مؤلما لهؤلاء الشعراء المنتحرين 
أن يموتوا أيضا بلدغة أفعى
و أؤلئك الذين علّقت صورهم على مداخل الغرف
سينظرون إلي بعتاب
لأني تركت عصرهم وعشت في عصر بلا مذاق
لقد أطلنا التحديق في بعضنا حتى أصبنا بعمى الألوان
ألا يجدر بنا أن ننفض المكر و الأحقاد عن ثيابنا 
و نكنس الغبار الذي تكدس في الحجرات؟

سيتغير العالم يوما ما
أعرف ذلك مثلما أعرفك
فقط ينبغي لهاته الحلازين التي تدب فوق مكتبنا
أن تخرج من قواقعها و تنمو لها الأجنحة
ينبغي لهؤلاء العميان
أن يتحسسوا طريقهم في الديجور القاسي
ينبغي لهاته الحشود الخرساء 
أن تصطف يوما ما أمام التماثيل و تجرّب الصراخ

هل قُدّر لهذا العالم
أن يكون على هذه الشاكلة؟
بعد عصور من الحجر و النحاس
بعد الروم و المايا
و أحفاد أمازيغ و آشور و جانكيس خان
بعد بابل و الفراعنة
بعد تاريخ مديد من الحروب و الأنبياء
بعد كل هذه الثورات و الانوار
ننتهي هكذا هجينين و حيارى
بأيد مرفوعة دائما إلى الهواء
و ألسنة ثقيلة عطّلها الخدر؟

سنرفض هذا العالم 
لأنه يرفضنا
وسنبقى غرباء إلى أن نموت
ليس لنا من خيار آخر
فالحمام الذي يطير من أيدينا
تصيبه دائما نيران صديقة
لم نعد نثق في الخشب
الأعمدة القديمة تتهاوى
النوافذ التي نفتحها بالنهار
يغلقها ظلام الليل
الأبواب ترتجف بلا سبب
و الكراسي هي الكراسي
الجذع الذي كان في الغابة
أصبح طاولة في البهو
و الذئاب التي كانت تتمسح به هناك
غيّرت فروها و ظلّت تتمسّح به هنا

النيران تلتهب في داخلي
بينما الصقيع القاسي فحسب هو ما يحيط بي
هل قدري أن أموت أخرس كما عشت؟
و إذا ما صرخت
فهل سيملأ أنين بلبل جريح هذه المفازة؟

مثلما يلمح الراعي في غفوته
أميرة تستحم في النهر
ألمحك
رغم الضباب الكثيف بيننا
و أمد يدي إلى يدك رغم الجدار
و أقبلك حتى من دون ان أراك
عيناك هما عيناك
و ليس بمقدوري ان أصفهما
ربما لم تتغيري كثيرا 
لكن شعرك صار طويلا مثل قصائدي.

رغم الأضواء التي ملأت عينيّ
لازلت حالما كما كنت
و قديما في كل شيء
و يوما ما
ستخبرك سنديانة في طريق القرية
أني كنت شبيهها
ربما لم أبرح مكاني كثيرا
لكني رأيت أكثر مما تطيق عيناي
و رغم قصر قامتي
و نظري الدائم إلى الأرض
فقد تنسمت مرارا عبير الحدائق العالية.

إنني قلق و مرتاب
و بسيط كورقة فارغة
أسند ظهري على الحائط
و أفكر في الحب
و في الجمال حين يقسو
أفكر في خزّاف يتوهّم أن الشوك طين
أفكر في أمير نام في القصر و استيقظ في مغارة
أفكر في عازف القيثار
يغني طوال الليل لنافذة مغلقة
أفكر في امرأة ماتت بحجرتي
بينما لا تزال جثتها تتحرك في حجرات أخرى
إنني أمشي على الجسور و لا يهمني ان أصل
أترفق بالجرار التي تكسرت
و أحنو على العصافير المريضة
يمرق طيفك فجأة
فترتبك خطاي
و أرتجف من فرط البرد و الخذلان.
أينما تكونين يصلني صوتك
مثل أنين محارب خانه الدرع.

ليس وقتا للذكرى
أعيدي الصورة إلى الكتاب
أعيدي الكتاب إلى الخزانة
أعيدي الخزانة إلى النسيان
إنني بمفردي قافلة من الجمال
تختفي في جارور الغرفة
إنني المطر الغزير الذي يسقط في الصحراء
إنني بمفردي عائلة من البوم
تحفر مساكنها في جدران الآبار
وقطعان من الخراف الضالة بلا مرعى
ربما كان الدونكيشوت يحارب طواحين الهواء
أنا لم أعثر على هواء ضحل أحاربه
لذلك سأبدو لك مثل طابور طويل 
من الشحاذين و العطلة
أو مثل جراء مريضة تنبح دون أن يسمع صوتها أحد.

ليس وقتا للذكرى
و إذا كان لي ان أتذكر شيئا
فإني سأستعيده برغبة رجل يريد أن ينسى
دعيني أعود إلى غرفتي
فهي أرحب من عالم لا لذة لي فيه
أرتاح فقط على هذا المقعد
قبالة مكتب رحيم
و صورة لشاعر ميت
أضع على الأوراق أحلامي
و كوابيسي أيضا
أغلق الشباك الوحيد
حتى أحمي أوهامي من البرد
في غرفتي تصطدم أفكار الموتى بالجدران
و يعلو صوت الكمان على أصوات تأتي من الخارج
أحيانا تتسع غرفتي
حتى أن طريقا تتفتح فيها
و عربة تصل إليها بأحصنة بيضاء
ثم أراك تنزلين بوردة على الصدر
و فستان من القرن الذي مضى
و حين أشبك أصابعي بأصابعك
كي تترفق بك درجات السلم
أشبكها فقط بالخشب
و بسنوات لا ورد فيها.

دعيني أستعيد شكل نظارتيك
الإطار الإيطالي
و الزجاج الأزرق الخفيف
و التكايا البلاستيكية الصغيرة
التي كانت تجثو برفق على مقربة من عينيك
أستعيد أيضا لون الجينز
و أحصي أزراره
القمصان و ياقاتها الغريبة
الفانيلا البيضاء
و التنانير التي كان يتفتح فيها الورد
أحذيتك الواطئة و جواربك
جواربك في الشتاء
كانت أجمل من الشتاء
أستعيد أيضا حقيبة اليد
و ما كانت تحمله من أسرار:
المناديل الوردية و أحمر الشفاه
الكريم و طلاء الأظافر
الخاتم و الأقراط
زجاجة العطر بنكهة الفستق
إنني الآن أغمض عيني
كي تصلني رائحتها.

مثلما يرتعش الساتان الذي تركته هنا
ترتعش الكلمات في فمي
خبريني فقط هل ستعودين
فأنا و هذا الدولاب الهرم نشتاق إليك.

أجلس على الكرسي 
قبالة مصباح خافت
فأراك فجأة على الرصيف الآخر
و ليس بيننا سوى سكة الحديد
و معبر أرضي
و عشر سنوات من القهوة المُرّة

كنت تجرّين خلفك حقيبة الملابس
و كنت أجرّ خلفي تابوتا من الذكريات
يمر القطار دون ان أسمع صريره
دون أن أراه
دون أن يحول بيني و بين الخراب
الذي يلمع في عينيك
أجد نفسي في قطار آخر
رفقة نساء يملأن الهواء بصراخ لا أسمعه
و يلوّحن بأيادٍ لا أراها
أقف لأضع أغراضي على رفّ الحديد
فأراك في مرآة المقصورة
و كي أبيد شبحك الذي يطاردني
لأختفي في معطفي
و أغرق نظري في رواية "النائمات الجميلات"
مشفقا على العجوز الذي صرت أشبهه
بعد اربع ساعات ينتهي الكتاب
يتوقف القطار في محطته الأخيرة
بينما- نازلا من العربة – أواصل السير بمفردي في مروجك
أعبر الهضبة الرؤوم
أحيي ما تبقى من المداشر
أصافح فزّاعة في الحقل
أسأل النهر عن مياه هاجرت
و أعزّي الغابة في الأشجار الميتة
أرفع قبضة المزلاج
أفتح الباب و أتألم:
هجرت البيت
بينما لا يزال ظلك على الكنبة
بصماتك على الكأس
آثار أقدامك على البلاط
و الريشة الوحيدة في المزهرية
لازالت تحركها أنفاسك.


لست الرجل الذي ترينه في هذه الصورة
و لست الرجل الذي يرى نفسه في المرآة
أنا صياد من القرن الماضي
ولد في قرية صغيرة بروسيا
عاش وحيدا برفقة الثلج
أفنى عمره في ترويض الدببة
و مات منذ زمان هناك.

عبد الرحيم الخصار

نيران صديقة