Thursday, April 12

باهتاً..كما أراه

ما الذى يجعلك عاجزاً عن الإنطلاق. أيها الحزن؟
صبغ الأشياء بالأسود؟
ضبط إيقاع الكون على موسيقاك الجنائزية الرتيبة؟
..العالم يرتدى ثيابه الفوضوية كعادته
و الآخرون..موجودون بالتأكيد
ثمة تفاصيل مخجلة
أصدقاء لم يتخلو بعد عن خياناتهم
لا تزال الطبيعة تلقن الأشجار إرتفاعها.
و الطيرَ رحيله
و تلقننى إنهزامى.
الوقت مثبت بإحكام فى ساعة اليد الصغيرة
المدينة قاسية. تتعمد إغترابى
و الشرفة لا تأتى بجديد
مفاضلة غير منطقية بين الفضاء و الوجع.
آباؤنا الطيبون
يفتشون جيوبنا بعد النوم:
ليتأكدوا أننا لا ندخن فى دورات المياه
و أننا لن نبول على تاريخهم الملفق
و الطاعة العمياء.
لماذا أراك طيباً كالأغبياء
و أنت تتلصص على سعادتى المصطنعة
حين تمارس سخريتها البليدة منّى
لمجرد تخيلى السير فى شوارع كاليفورنيا البيضاء
بحذاء نظيف و إبتسامة هادئة
-ربما لأول مرة-؟
الأجراس تؤكد سيرى فى قداس خاشع.
بحيرة..إوز لا يجرح هدوء المكان
المساء ملىء بالتفاصيل حتى نهايته
العاشقون يمارسون الحب علانية
أيها الحزن!..
أين ذهبت بالجوع
و التلاميذ المحبطين
و قذارة الشوارع
و الصخب المميت
و جروح الأنبياء
و مخاوفى الكثيرة؟ّ
أيها الحزن!..
إنها موجودة بالتأكيد..
   .فلا تتخل عنّى

دعاء عبد العزيز
أشياء تحدث يومياً

Tuesday, April 10

السوق

غداً سوق القرية

سأذهب إلى النبع
حيث تنسلّين لملء جرتك
الجميع في السوق وأنا عند الشجرة
نحفظ العشرين متراً دون زيادة أو نقصان
هذا قبل أن تفركي حصاة أو اثنتين
وقبل أن تنزلق قدم وتنزلق جرّة
لأصبح أنا في المقدّمة
في طريقنا إلى النبع من جديد
بعشرين متراً وابتسامة خفيفة
اليوم سوق القرية
الجميع في السوق
وأنت عند النبع
وأنا أسبقك بعشرين خطوة
وكلّ ظهري عيون تلمع.

أحمد يماني
أماكن خاطئة

Sunday, April 8

مشنقة في فيلم كرتون


يطلبون منا
الابتعاد عن الكائنات الكبيرة
يطلبون منا
الاقتراب من كائنات تدنو من الأرض
لم يذكروا بعد
ماذا نفعل مع البقية
اكتفوا بإشارة خفية
عن حرية ما لنا
دليل وحيد على أن الأيام تمر
نظافة السجاد
لمعان زجاج الموائد
رفرفة حواف الستائر
غير مصدرة
صوت ترابي واحد
أكوام الأطباق المنظمة
في الخزانة
تعلن جميعها
أن اليوم ما عاد قائما
العزلة ليست إلا لقاءات متكررة
في الذاكرة ..
استضافات في الخيال
لجماعات نختارها بعناية
فلم الهروب ..
من ضوضاء ..
لضوضاء ..
أخرى ساكنة .
تعلمنا صناعة الأقمشة
نحت الدمى
تثبيت الحبال
طباعة الأغطية والمفارش
لم يفكر أحد
في صنع علم
حتى كباترون صغير
ربما خشوا
أن نبنى وطنا جديدا .
علمني أبى
أن أطلق البخور حتى
يختفي أثاث الحجرة
فأسكن أماكن جديدة
لكن ..
أعواد البخور لم تعد كافية
لا تراه وأنت غاضب
إنك لن تراه ..
اللحظات التي استأنست بكما
ضحكاته التي تؤثرك ..
أفعاله المتكررة ..
التي تنبئ عن شيء عميق
صديقك ..
ذاك القديم
الذي يشبهك
ليس تماما ..
لكن كما رغبت ذلك
ادخل ذاكرتك باطمئنان
عد ..
كي تراه .
ليست الأطفال .. أكياسا نظيفة هكذا.
صحيح ..
أنها لم تعبئ بعد ..
لكن بها ثنيات كثيرة
وثقوب طبيعية
الجذور في الماء مبهرة
ليس لها أرجل ولا أيادي
تضرب بها ..
تسبح بقوة الماء ..
واستسلامها .
ربما نظل معا للأبد
الضفائر وبعض ساندويتشات المربى
قصص تأتى عفو الخاطر ..
اهتمامات صغيرة
بحجم مشابك الشعر البنية
لم يذكر لنا أحد ..
أن للأبد هذا ..
زمنا معينا



عبير عبد العزيز
مشنقة في فيلم كرتون

Friday, April 6

حكاية الرجل الذي صار ظلّاً


ما كنت منذ البداية هكذا. أقصد لم يخلقني الله هكذا، وحيداً ومتروكاً للحيرة اذ لا أجد من يصحبني وأكون ظله. ولكن ليتني أذكر بالدقة التي تتوخون كيف جرى لي ذلك فأصبحت ما أنا عليه الآن، أو منذ بعض الوقت.
أجدني لا اقوى على الحركة، مقيماً سوية البلاط لا ابرح. وما يدور علي من مواقيت يبدل من أحوالي وهيئتي، فلي مع تبدلات الاضاءة بين مواقيت النهار والليل قصص أعجب من ان تروى هنا، ولا يتسع لها مصنف كامل من ترّهات بورخيس. فالصباح يجعلني منبسطاً على سوية الأرضية الملمعة، والظهيرة تلصقني بالأشياء العمودية الواقفة ولا تتعب، ثم تتدرج بي الحال الى استطالة تشوه قوامي الطيفي حتى يكسرني الغروب بانعكاسه الشفقي الى نصفين. نصف من أسفل الركبة الى القدمين والنصف الآخر من أسفل الركبة أيضاً الى هامتي، فأقف بانحراف ظاهر على جدار ولا شيء يسندني، الى ان يحل الظلام فيذيبني في كنفه كأنّني قطرات حبر أو ماء ملون تمتصه ممحاة غريبة لا قوام لها. بلى، ما أخطأتم الحسبان، فما أتحدث اليكم عنه هو الظل الذي صرته منذ بعض الوقت، لذلك يصعب ان يبصرني احدكم في الليل أو في عتمة المكان. كأنني أنتمي اليه أو أصبحت ملكاً له مذ غادرني صاحبي وانتظرته طويلاً هنا ولم يعد. فقط بوسع واحدكم ان يراني في الضوء. في ضوء فاضح لا أرى منه شيئاً. وطبعاً لن اشرح لكم هنا ما تعرفونه جيداً بأن الظل لا يراكم حين ترونه جيداً لكنه يلازم حركاتكم وسكناتكم ولا يغادركم الا حين تلوذون بأسرتكم الدافئة وتحلمون. ألمعيّ هناك يقول: وماذا عن السير في الظلمة حيث لا ظل يتبعنا؟ فأقول من فم الظلال إياها اذا جاز لي ان اقول: يكون من هو مثلي فدية نجاتكم من العبور الى الجهة الأخرى. ليتخيل احدكم الظلام مرآة، ولو معتمة، يسير بمحاذاتها على وجه الدقة، ويصحبه الظل، ظله، في الجهة الأخرى من المرآة حيث يسود الظلام، ولن يخطر ببال أحدكم الأهوال التي يصادفها من هو مثلي هناك. ولكن لندع هذا الأمر جانباً، فليس في نيتي أن أشكو أو أن أجعل من ذاتي المعدومة رمزاً لبطولة الخوض في عالم الظلمات والا لأدركني المساء قبل أن اروي على مسامعكم ما صرت اليه منذ بعض الوقت.
ذات يوم الفيتني وحيداً. كان الوقت مساء والظلمة حالكة فلا يبصر صاحبي اصبعه حتى لو الصقها بعينه الحاذقة. كان مستلقياً على الكنبة في ثيابه المعتادة وكان يجهش في البكاء. يشرب كأساً تلو الأخرى، ويشعل سيكارة تلو الأخرى، ويجهش في البكاء. وكانت الظلمة قد أذابتني في كنفها وامتصتني لكنني، في هيئتي السائلة، كنت أقعي عند قدميه لا أغادر. أشبه صاحبي في كل شيء، اقصد في ما عدا التشوه الذي يسببه لي تبدل الضوء فيقزمني أو يمطني لكي أبدو دميماً، أشبه صاحبي إذاً في كل شيء ولكنني ما سلكت نعمة البكاء أو عرفتها من قبل. وعلى الرغم من وفائي لصاحبي ما تمكنت يوماً من مجاراته او ابداء التعاطف بدمعة أذرفها حتى ظننت يوماً انني من الغلظة والفظاظة ما يفوق الوصف. كان صاحبي يجهش في البكاء. ثم غادرني. سمعت دوياً أو ربما جلبة ارتطام هائلة، لست أدري. وفي اليوم التالي وجدتني هنا وحدي. وفي اليوم الثالث ايضاً. وفي الأيام التي اعقبت ذلك الى اليوم، بت وحيداً لا قدرة لي على الحراك من مكاني. زوجة صاحبي وابنته لا تعيران انتباهاً الى الدكنة الطفيفة التي تبقع البلاط وموضعاً واطئاً من الجدار. وذات يوم، جاءت الزوجة بالممسحة وعدة التنظيف وحاولت ان تمسحني بكل ما أوتيت من قوة وعصبية ولم يمح من هيئتي شيء. فحسبت انني مجرد بقعة من الرطوبة تسربت من اسفل الحائط الى البلاط. وكفت عن المحاولة. وأصبحت تحاذر اذا مرت بقربي ان يداني ظلها ظلي خوفاً من بلل الرطوبة وشؤمها وكم وددت ان يألفني ظلها فاصبح ظلاً له علني اجد من اتبعه في روحاته وغدواته. حتى الابنة لم تتعرف الي وكنت دائماً في صحبة ظلها حين يرافقها صاحبي في نزهة قصيرة في الجوار. ليس بوسعي ان اكون شبيهاً به لأن لا مظهر ولا هيئة لي. كان وسيماً، مستقيم القامة الى نحول، عصبي المزاج والحركة. وكنت أحاكي حركاته وسكناته ثم غادرني ولا أعلم اذا كان يصحبه ظل آخر هناك. وأصبحت هنا بلا نفع أو قيمة حتى وددت لو تمر بي سلحفاة فأكون ظلها، لو يمر بي كلب فأكون ظله، او حصاة فأكون ظلها. ذلك اني بت اخاف ان تمتصني الظلمة مرة واحدة والى الابد. ماذا افعل بالضوء الذي يطلع كل صباح ان لم ينهض صاحبي من نومه، بجسمه كاملاً. الرأس والذراعان والجذع والساقان، لكي اتبعه فتدوسني اقدام السابلة ولا ينال مني ألم، بل أواصل زحفي الخفيف بين الحصى والنقح والعجلات والنفيات، لا تعيقني أو تلوثني، خفيفاً وقانعاً لا أعرف لسعادة الصحبة مثيلاً.
ماذا افعل الآن اذ غادرني وانتظرت طويلاً وما عاد بعد؟ كيف أقضي ملاوة الدهر، فلا عمر لي، في الركن وحيداً؟ ما الذي يبقيني على قيد الحياة؟ أسفٌ، لا بد انكم أدركتم خطأ العبارة. اقصد ما الذي يبقيني، على ان تكون الحياة لكم ولسواكم ولمن يرغب ايضا. لا تزيلني احماض ولا يحطمني ثقل ولا يطمرني تراب. رحماك أيها الضجر!

بسّام حجّار
مجرّد تعب

عواقب

من شرفتك
تسكبين الماضي
،،مثل ماء الغسيل

الذكريات
 ،،لا تفني

والماء
تستردّه السماء
،،لتسكبه فوقنا مجدّدا

إن لم تدمعك الذكري
..سيبلّلك المطر

محمد خير
هدايا الوحدة