Wednesday, September 14

دوامات داخل المياه الراكدة


أدور داخل الحلقة المفرغة
هناك.. عبر شرفة تفتح أحضانها للجميع
وأشياء كثيرة تحول دون خروجى
رؤوس فارغة
وبيوت لا تحتمل مزيداً من الصراخ
شخصان يقتسمان صمتهما
ويحتسيان نظراتى المندهشة-قليلاً-
والمجهدة- جداً- فى برود شديد
وقوانين الهندسة الوراثية
واستعداداتى الفطرية
ودماء مسكوبة على الطرقات
وتاء التأنيث
والعالم الثالث
وأبــــى
الذى انتشلنى من الضياع
ليضيّعنى على طريقته الخاصة
والصـــداع
والزمن الذى لا أستطيع استعادته
 
.. ورجال البوليس على الأرصفة يزفون الموتى و 
ألم أقل إن أشياء كثيرة تحول دون خروجى
ورغيف واحد لا يكفينا
وليس أمامى الآن سوى سبع بقرات عجاف
وما من شىء كى نذره فى سُنبلِهِ
والقصائد دائماً تستعصى علىّ
ولا أستطيع اللحاق بركب الذين يمضغون الكلمات
لكننى أدمنت الهرولة- وقضى الأمر
والولد الذى أحبه ليس متاكداً تماماً من مشاعرى
ورغيف واحد لا يكفينا
والوقت ما زال ضيقاً
والصداع
وتاء التأنيث
 
(......) وشخصان يقتسمان 
وما زلت أحاول عابثة الخروج من الحلقة المفرغة
وعروقى مسكوبة على الجدران
ورائحة عفونتهم تملأنى
لذا..لم أستطع أن أشاركه احلامه
وبناء القصور الرملية فوق الشاطىء
واصطياد القواقع الفارغة
فهل أستطيع يوماً أن أقاسمه الحقيقة؟
وركناً قصياً وحقيراً على خريطة العالم
ورغيفاً واحداً
واصطحاب العيال الصغار
إلى المدرسة!؟ 

دعاء عبد العزيز
أشياء تحدث يومياً

Tuesday, September 13

قصائد من الشاعر الهندي كومار سينغ كوجرال



صيّادون ومراكب

مراكب الصيد الخشبية
لم تتحرّك منذ شهر
والسبب
 أن حنيناً جارفاً تملّكها
إلى الشجر الأخضر الذي
بهندسةٍ رائعةيقف
على البرّ المقابل للميناء
سألتُ الصيّادين
عمّا إذا كانوا يعرفون السرّ
فأجابوا:
من أين أتيت بهذا
السبب أيها الصيّاد الكبير؟


الكَثرة

مرتاعاً نظرت إلى الرمل
فصار من كثرته
ماءً يرتاع منه الآخرون
يا للكثرة
مسرعةً تكون
مسرعةً تتبدّل
في داخلنا فقط
أيتها الكثرة
هداياكِ ناقصة
من كثرتها.


بيوت

الآن يعود معظم الناس
إلى بيوتهم
أمّا أنا
فأعود إلى قصيدتي
أسكنها من جديد
لكنها تقلقني، تلهبني
تجعلني أتمنّى لو أنني
لم أعد إليها
لكنّها فجأة تشفق عليّ
وتقرّر أن تنصفني؛
إذ تتنفّس من خلالي
وتفرّ صورها من عيوني
على الورق
إذ ذاك اشعر براحة المسكن
وشرفاته المُنسرحة.


ساعة شاحبة

أحتشدُ
في إبتسامتكِ الضيّقة
وأنشر نوافذ
بعيدة التوهّج
تشرّد عشاقك
وأوّلهم أنا المتمايل
يهدّدني أملي وتردّدي
في أن اقول لكِ:
 أحبّك
الشاطيء يختفي
والذكريات باتت سماء مجهولة
والشمس ساعة شاحبة
في رأسي.


بحيرة الشارقة

جميل أن يصنع
الإنسان بحيرة
إنّه يلعب بالبحر
على هواه إذاً
يمسكه على طريقته
ويقول له: نَمْ
مُشعّاً هنا أيضاً أيها البحر
فمساحتك الزائدة هذه
ستمنع غضبك
إذ هالوا عليك الصخور
هناك بقصد إذن
تأكلك يابستهم الإسمنتية
أيها البحر الذي صار
لسان بحيرة صغيرة
في الشارقة
كم أنت جميل الآن
ومباشر
إذ صار بمقدوري
أن أمسكك من نافورتك
العالية
وأقتلعك لاهياً بك
من دون أن تغضب
أو تنتابك وحشة
عالقة.


هذه المدينة

لا أدري لماذا أحببت هذه المدينة؟
لماذا رأيتها على الدوام
 تدخل الرخام الطري لوقتي؟
بين أن أحبّ وأن أحبّ
تقيم الشارقة
ترقص مخبوءة في
الخضرة الأنيقة
يتوسّطها نخلٌ مدروز
بانتقاء هندسي
هو صديق أيضاً
للندم الطالع منه
النخلة ندمٌ فاتن
ندمٌ خصوصي
يواصل ترسّبه فيّ
لكن بفرحٍ إباحي
لا يراه أحد
وربما لأجل ذلك
أحببت هذه المدينة
وقرّرت أن ابقى فيها
دخّاناً خصوصياً
لا يكترث له أحد.


سرٌ أخضر لكنّه أحمر

يجدر بي ألا أستسلم
لهذا الصجيج وأنا فيه
المدينة تثير إشمئزازي
وشفقتي أيضاً
لأن التجمّع البشري هو
تجمّع للرعب
والهرولة القاسية
والنبض ضد الموت
من قفزات الموت نفسها
يجدر بي ألا استسلم
للكثرة
ولا للوحدة أيضاً
فكلاهما يدمّر الروح
والجسد
أنا لا أستأنس
إلا للعمل مع إمرأة
فالمرأة سرٌ اخضر
تتحرّك خلاله أغصان التهوية
التي تقشع كل ضجر
ينتاب الرؤية
والتمارين على الأيام
يتهالك خلالها العمر
المرأة سرٌ أخضر
لكنّه أحمر
يراوغ المراوغة المطلوبة
حيث كل شيء معه
يسبق الحياة إلى الحياة
والمتعة إلى الفناء
المرأة سرٌ أخضر
لكنّه أبيض في جدولة نفسه
كالماء الذي لا يزعج.


ما لا يعرفه الشعراء

امرأة تحلّق
 في عصفورها
لتصادر السماء بالألوان
امرأة تهبط
في حرير سَمَكِها
لتسحب الضوء من بطء الماء
امرأة تجهّز نفسها
في الشجر
لتقاوم شمس نفسها
والعالم
امرأة هي امرأة
لنفسها
وكذلك الشاعر
شرط أن يعرف
كيف يسحب ظلّها
 المترصّد لاكتشافاته
في الوقت المناسب
والوقت المناسب غالباً
ما لا يعرفه الشعراء.


لا ضرورة للإنتحار

لن أنتحر غداً يا أحمد
إذ لا ضرورة من هذا
الانتحار البتّة
فأنا مقيمٌ فيه
وهو مقيمٌ فيّ
إذ ليس أجمل
من إنتحار
أن تبقى حيّاً في هذا العالم
البلاستيكي
عالم الرأس الواحد
الذي من مهمّاته ان ينتشي
بانتصاراتٍ كاذبة
تشبه إنتصارات
من مضى من الطواغيت
مساكين قوم السياسة
هؤلاء
قوم السلطات المٌطلَقة
القوميّات المُطلَقة
والمجد المُطلَق
....................
....................
ولماذا أنتحر أيها الصديق؟
ولماذا تنتحر أنت ايضاً؟
ما أجمله من إنتحار
موصول هذا
نتحرّك ببهاء
 في قياماته الموصولة.

كومار سينغ كوجرال
ترجمة: أحمد فرحات

كومار سينغ كوجرال شاعر هندي أنهي حياته في مدينة الشارقة العام 1997 دون أن يتجاوز الأربعين. أطلق النار على نفسه مرتين: مرّة على الرأس وأخرى على القلب. ترك رسالة بالقرب من جثته يقول فيها: "رحلت لهدف وحيد هو البحث عن مزيد من الصلة بالواقع".

Friday, September 9

إلى سركون بولص وبسَّام حجَّار

اعطني رداءك يا سركون
بردتُ
أَدفئني قليلاً بترابك
وأَنعشْ هذا التراب يا بسَّام
ادلقْ عليه
كأسك.

على المحطَّة قطارٌ بعد، اصعدا قبل أن يمضي
نذهب معاً في نزهة
نرى الغابات، نرى البطَّ في البحيرات، نرى البيوت وكيف
تطويها المسافات
وتطوي الساكنين فيها
لا يزال قطارٌ بعد
وبعده تقفل المحطَّة
اصعدا
فإنْ مضى هذا القطار
أين نقضي هذه الليلة؟

إنَّه القطار الأخير، اصعدا
قد نذهب في نزهة
قد نرى ذاك النبع الذي حلمنا به طويلاً
ينبثق من المياه الجوفيَّة لأحلامنا
اصعدْ يا سركون
قد يمرُّ هذا القطار في مدينتك
اصعدْ يا بسَّام
قد نرى مروة.

وديع سعادة
من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب؟

Thursday, June 23

وما زال تشرابي الخمور ولذَّتي
 وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدي
،إلى أن تَحامَتني العَشيرة كلُّها
وأُفرِدتُ إفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ
،رأيتُ بني غبراءَ لا يُنكِرونَني
ولا أهلُ هذاكَ الطرف الممدَّد
ألا أيُّهذا اللائمي أحضرَ الوغى
وأن أشهدَ اللذّات، هل أنتَ مُخلِدي؟
فأن كنتَ لا تستطيع دفع منيَّتي
فدعني أبادرها بما ملكتْ يدي

طرفة بن العبد

Thursday, January 27

نحن الطالبين فى كل مكان غمار الافق 

لسنا بأعداء لكم 
نريد أن نمنحكم كل الرحاب الغريبة 
حيث يزدهر السر الخفى ويبيح نفسه 
لمن أراد إجتناءه 
هناك أوقدت نار جديدة 
وتراءت ألوان لم تبصرها عين 
وأومأت خيالات شفافة 
تريد أن تتجسد 
فرحمة بنا ........ 
رحمة بالمكافحين أبدا 
على مشارف اللانهائية والمستقبل

 Guillaume Apollinaire

Wednesday, January 26

جندي

طلقة تصيبه في جبهته. لن يعرف
اسم مجرى الماء الذي كان يسير بمحاذاته.
(القصة حقيقية، وأكثر من شخص كان هو)
سقط على وجهه فاتحاً ذراعيه.
يتأرجح الهواء الذهبي عند أوراق
غابة الصنوبر. تميل الشمس بنصفها؛
الساعة رقيقة. بدقة تتسلق النملة
على الوجه الخليّ. ستصعد الزغردات.
كل شيء يتحوّل ويتحول
حتى ذلك اليوم من المستقبل الذي سأناديك فيه،
أنت وحدك، لم يسهر عليك أحد ولم تعرف حظوة
الدموع، سقطتَ كما يسقط الرجل الميت.
لن يحفظ ذاكرتك أي رخام.
ست أقدام من الأرض هي كل مجدك القاتم
.

Jorge Luis Borges
ت: انطوان جوكي

Sunday, January 23

وحدي أعرف أنني جميل

القداحةُ التي تُشعلُ تبغي
صباحاتُ خير الأصدقاء
سبعةَ عشر عاماً تنسفُ الخجل لتزداد جمالاً في عيني
صوتُ أمي في الردهة
فتاةٌ جعلتني أراقب البسمات التي أطلقها في الهواء
الكلام الذي سمعته مني
جدي الذي مات يحلم

صديقٌ يسهر العدمُ في غرفته
يغسلُ أعصابه في نهر أسفل الطاولة
يُشكلُ النجومَ بسماء غرفته
بطريقةٍ تسمح لحبيبةٍ في البعيد
أنْ تبتسم ...

رجلٌ تَعلمَ الصمت
عادةٌ تحرمني الأهلَ والأصحاب
الليلُ أمام البحر
حبيبةٌ أبحثُ عنها في زجاجةٍ وأنا أضحك
قصيدةٌ لصاحب أعرفُ منها كم هو جميل
واحدةٌ فضلت صاحبي و تركت لي نزهتين في الصيف
جواربي في الشتاء
كوبُ قهوة
ومَن يظن الحشد مخبولاً يسألني : متى الله ؟

عن السنين التي أخبرتني أمي : لا تتأخر خارج البيت
شحوبٌ يُصيبُ قلبي
والطفلُ الأشقر خارج مضلعات العين

الليلة أحتاج امرأة
لأنَّ عندي كلمات جميلة و متسعاً من الليل

أمي , سأكون جيداً , فلا تمارسي خوفكِ الجميل
إذ أنَّ أعصابك في عامها الأول وتنتفض
سأجد لي فتاةً مثل الآخرين
أخرج من صوتها جميلاً
سأذهبُ لرفيق لي على حوافِ المدينة
يشربُ الشاي في حالةِ حب

سأطرد الغبار أعلى صورةِ جدتِك
التي كنتِ تخبرين أنها رائعة
وأنا أداعبك بأنها لم تكن

ألفُ جنيه أعطاني إياها
أخ لكِ لاقى حتفه في جيبه الثقيل
ماذا أشتري لأمٍ ميتة ؟
لي رغبة أنْ أوجدك ...
وأرش العطر على صوتك في الذاكرة

الوقت الطيب الذي كان بين الثانية عشرة والواحدة
الذي كان زوجك " الطفل للغاية " يسألكِ عن أشياءَ غريبة
كبدلةِ الجيش أو أغنيةٍ كتبها في مطلع الثمانينات
على علبةِ تبغ حمراء

الآن .. بين الثانية عشرة والواحدة
طابور دمع ,
نداءٌ يبدو أنه من " صمت "
وقتٌ طويلٌ
وصوت يفتح نوافذ للبكاء ...
غير أنَّ لي صديقةً سمراء , تفضلني
كأنها زغب روحي المنزوع
ووحدها تعرف أنَّ الحب فنار ذهني

ياقةُ القميص , يا حبيبتي
ربطةُ العنق التي لم تكن معقودةً بشكل أمومي
أضحكت الأصحاب

أمي التي تشبه الخرافة
وأكون جميلاً وأنا أطالعها

أخبروني : حتى " قدماك " لا تسير مع الإيقاع بشكل صحيح
و لا أعرف لماذا أخبرتهم :
" إنها تسير بشكل إنساني "
يوصلون ضحكتهم و أواصل افتقادك ...

في الحفلة أوزع قلبي
وأتذكر أنه كانت لي رغبة
أنْ أحضر عرضَ ضفيرتك الرمادية

أمي : لي رغبة في قضم الغياب
أمي : أصحابي سريعون
أمي : البنايات تزداد طولاً
وأنا كما أنا جوار تنورةٍ لكِ حمراء
أمي : لأظافر يدك قلبٌ إنساني
أمي : لعينك على خطوتي القادمة قلبٌ يستطيل

في الحفل وجدتُ أماً تخبر طفلها : لترقص جيداً , قارب قدميك
وتذكرتك : حين تكون حزيناً , لا تحزن
أنني أحبك باستفاضة
وأحتاجك لأنَّ الموتَ ليس مبرراً كافٍ لليتم

رغماً عني يصيبني قلقٌ على امرأةٍ ميتة
ابتسمتْ لي اليوم واحدة , ذئبةٌ وجميله
ثم انزعجت سريعاً
رغم أنني لم أكن إلا شخصاً طبيعياً
حين ضحكتُ لها من قاع قلبي

يا أمي أعرف أشياء تمنعني من الرقص
فثمة صديق لزوجك أخبرني : تكتبُ على منوال الدم
وأخر يعتقد أنني أرسم دمعاتي وقتما أشاء
غير أنَّ الأمر لا يعدو أكثر من رغبةٍ في الحياة
وأنا بسبب الوقت , أقيم ميزاناً
وصوتك راجح في شغفِ اليتامى

كنتِ كاذبةً بشأن الخمر يا أمي
إنه طيبٌ جداً ويروقني

انكسرت قصيدتي
بدأتُ في مشاهدةِ الصوت و سماع الزحام
بينما أشير لصوتي نحو عينك

هل تتذكرين عينك يا أمي ؟
كانت سوداء وتاريخ الليل يتظاهر في نهايتها
وأنا كثيراً ما وجدتني على عتبة الدار
حيثُ كلُّ يُتمٍ .. على عتبة الدار

صدقيني يا أمي
أنا جيد وفي حالٍ مزاجيٍ تشبهك
لكنني من حاجةٍ لأخرى
أفكر في دمعك الذي لا ينتهي ويسهر مع شرودي

أُبْعِد عيني عن الدرج , أشيح بها عن دلالةِ الغبار
كي لا أصبح قارباً
سأعود إلى البيت , سأجد الأوراق ولا أجدني
عليكِ وعلى صديقي الذي يفضل القصائد البيضاء
أنْ تسامحا قصيدتي الرديئة
أحب حياتي التي لا تقدم سوى هذا النوع من الكتابة

إنَّ رفاهية العهر لا تسمح لصاحب النظارات الجيدة
أنْ يأخذ شامةَ وجهها من قلبي
حلمتُ أن " يوسف " نبي الله
سرق وجهي بينما تشكلين الوداعة

أخبرني , كن واقعياً , لا تكتب لها قصيدة
هي تريدنا قوارب للمرح , " فتخشب "
وأنا يا سيدتي , ضحكت
إذ أنني رغم قروحي الصاخبة
لا أتحمل الحس الجماعي
كما أن رغبتها لي وحدي
إذ أنها جميلة

مُتعبٌ , بينما الحفل يمتد
أراقب " أدهم " الذي يبكي كثيراً
كانت لي رغبة في أنْ أقبله
لكنني أعرفه ضعيفاً أكثر مما ينبغي
إنني أضحك الآن

مرةً تظاهرتُ بالكتابة
لتعرف الفتاة أنني شاعر
حين حكيتُ لضحكتك التي تشبه البكاء
أخبرتني : لا تنتظر , كل شيء يأتي وحده
واليوم أذهب للبحر حيث أعود جميلاً
أتظاهر بعدم الانتظار ولم يأت أحد

يمرون و يخبرون
" أنت بحاجة لطبيب , أنت بحاجة لخرافة "
نعم أحب المخاوف كما أخبرتهم , لكن التي تولد مني
لا التي تخرج في نوباتِ حس مفتعل
لي أنفٌ واحدة , مثلهم
وكرجل عادي تماماً , أحب الدفء والخريف

يؤلمني أنَّ النبض وحده ذريعة للغد
وأعرف أنَّ الحياة يلزمها بيت
وأنَّ الزمن يبتلع الرفاق

" ما أحلم به , مشاع للآخرين "

أُبْعِد تبغي خوفاً من هاجس ضفيرةٍ
دائماً ما تباغتُ غرفتي و تضحك

جميلةٌ يا أمي .. مقاعد المقهى البحري
خشبٌ , قطيفة حمراء وسعفٌ لا يمنع المطر
أنْ يلامس أهدابَ حبيبةٍ سمراء

جميلةٌ هي الحياة , بها أصحابٌ يخربشون الندم
بزجاجات وأحلام يصفونها بالصغيرة يا الله
يصنعون ذكرياتٍ وأسرةً دافئة بينما يمضغون الساعات
وأنت يا أمي تتناوبيني كحالاتِ الجسد والحالة
أحب العجز الخارج من مسافة أقضمها
لأستريح في ظلك

مرةً ساقتني الوحدة
لأشهر الوعي في وجه امرأة
رافقتها ولم أصل للبهجة
لكن حين دخنا سوياً على النافذة
وبينما أتابع قوارب تنزلق من عيني للحس
كانت تحكي :
" لم أكن أرغب أن أكون هكذا , لكنني كنت "
كان لي رجل , أحبني ثم غادر للخطوة العامة
صرت أفتح الباب للريح
والخريف يزور رغبتي في البكاء كأم لا تمنع
أنا جيدة
أصفف شعري و أضحك من غزوات الشيب بلا شهية مني
ابتاع زجاجةَ عطر من متجر بالمدينة
به أرملةٌ صديقتي , تشاركني البكاء على الأمس

أعرف الشعراء من مشيتهم , أرافقهم لغرفتي
أنا جيدة , لي بيت على البحر
حيث أدخن , أسكر وأضحك من رجل
نسى صوته في غرفتي وسافر ...
وبينما الحفل يخرج إلى الطريق
جاء رجل مهندم على كتفه ثلاث خيبات
ما أخبرنا إياه بطريقة رمزية " ممنوع الفرح "
لقد تشاجرت مع قلبه
صرخت , سأرقص في مدرسة لفتياتٍ صغيرات
سيضحكن وستصاحبني واحدة مع نبيذ
ونمارس الحياة

يا أمي , جميلة هي الحياة
وأنا أحرجت العالم ذات مرة , إذ خلعت الخجل
لكن في خريفٍ بَعدك , بينما الأشجار تبكي أوراقها
كانت لي رغبة في الرقص
تذكرت نصيحةً لكِ عن المعاطف التي يحبها الخريف
رجعت الدار وكنت مهموماً بأسئلةٍ كبيرة
كما يقول أبي

أحوز النسيان / السعادة
بعشرة جنيهات
لكنهم أخبروني " هذا يُسمَّى فرار "
وكانت كلماتٌ على وشك الفم .. ابتلعتها
إذ خفت أن أكون قديماً وأنا لا أعرف
" أطلقوا على البلهاء طيبة , ليتسلل الحب "
لم أخبرهم قطعاً ...
حسبتها كلمات جديرة بمسيح
وفي أعوامي الأخيرة , تعلمتُ شيئاً اسمه .. العبث
وحين أهداني أبي كتاباً ذات يوم , وجدت العبثَ قديماً فضحكت
العبث ذاته الذي كنت أسميه :
" سيان الجينز والأغنيات التي لا تروق "

أسند رأسي بخرافةٍ , أواصلُ البحثَ عن أكواب الشاي
التي لا تغادرها غبرة الحذر من الأطفال
إلا حين يأتي لكِ أخ بجيب ثقيل
مهووس بالنظافةِ كونه لا يعرف الحياة

أبحث عن رباط رأس , عن مشبك أحمر كنت أحسبه
فراشةً تلهو في ضفيرتك السوداء
أبحث عن الردهة القصيرة
وأمزح بطريقةٍ رديئة
" إنها تتمدد في الحنين "

ها أنا , يعلمني اليتمُ الخرافة
ها أنا شاعر رغمهم
كميثولوجيا في مقهى المدينة
أمامي مقعدان فارغان ...
بحر وسؤالٌ كبير

معذرة يا أبي ...
لو بكيت بما يكفي , هل ...... ؟

وبينما الفجر بسترته الفضية
يسقط على عتمتي
كانت لي رغبة أن أعود لصديق لي
تركته يتعثر في صوتي عن وجهك ِ

أعرف أنَّ ما أكتبه سيئٌ و مليءٌ بالتفاصيل
لكنها الحياة , تعرفينها
لا تتذمري , بل اضحكي

في صباحٍ كان مزاجي سيئاً
عيني على تاريخ الموتى بينما أنتظر
وكنتُ جيداً في صباحٍ آخر
...إنها الحياة , تعرفينها و تضحكين
 

" وحدي أعرف أنني جميل " 

لا بأس يا أمي , كلُّ شيءٍ يأتي وحده
تصبحين على خير .
كريم سامي 

Thursday, January 20

بائع الورد

العشب الذي يتمخض
فتكون رائحة
محملة بالماضي وبالحبق البري
هو العزلة
الخاوية من الداخل أو بحيرة البط عندما تطفو في ذاكرة
الهواء الخفيف
هو أيضا
صدى صراخي
الذي حبسته بين
أربعة جدران
حتى صار
كالخوخ الجاف
هو السكينة
حيث تنضج الأشياء التي تؤلمنا
وتمنحنا السعادة
الشبيهة بالمشي من غير هدف
نمشي فقط
لندرك
أخيرا أننا مشينا
هو النداء الذي مثل جرس المدرسة
بإنشاده ركب أعصاب البرق،
والرعد شيده بآلام
الشعراء التي مثل أصوات
الحطابين الغريبة تنبت في أحشاء الغيم
الذي لاينتمي إلا لنفسه
حيث مزامير وطبول وشلالات
الفقدان التي انقرضت، وجحافل
المخيلات التي لم نعثر عليها في الكتب
القديمة،
الذي لكم يمر جانبا بأصواته المبهمة
مثل تمايل القصب،
أحيا لأقولك
أقولك لاحيا
لافرق
ولأنك ترتعش من المطر
فتبدو كما لو كنت تصلي
في قلوبنا
ما الذي ستقول لنا
عندما ستفرغ من صلاتك
ولأنك أول من رأى
الطيور تحتحت الضوء
بغنائها
هل كان لنا ألا نحيا
لنلمس
الصمت بعد أن زبرته الريح
حتى صار كالقطيفة.
وهل كان لنا
ألا نلمس الأحلام
بأصابعنا المرتجفة كالخريف
ونتحسس حطامنا
الذي
يحيط بنا كغابة البلوط.
ننطفئ
غير
أننا لانخمد
إذ في داخلنا
مراكب وداع وفيرة ومخذولة
تغمرنا
مثلما يغمر الضوء
عظامنا المهملة
تسير، تسير فاتحة طريقها
بين الكوابيس، والذكريات
المؤلمة.
ربما جنود يتدافعون
حول النار
في الشتاء البارد
ما رأيناه نجمة
وربما غناء
يسبح عاريا
مع الغيم
ما رأيناه عراكا بين القبائل
هل نستطيع أن نكون
أكثر رسوخا
من صمتك
الذي هو أعناق
الطيور المهاجرة
وانحناءات ظلال القصب
وليالي الشتاء الطويلة المدونة
في الكتب
حيث تنزوي وحدك
تشذب الورد
بعيدا عن نباتات الدلب المحشوة
بأسرار الشرق،
وعن أشجار الخروب الوحشي الذي
كأصابع التنين
وعن عواصف الصحراء المحملة
بالبرق
وعن الحشرجات
تدب في أوصال الرعد حتى ينبت
للريح زغب يلهم الشعراء
أنا مثلك
بطيء ودافئ
ليس لي إخوة
غير الجداول التي تغذيني
وضفافي الملساء التي تتآكل بخفة
الفراش،،، مثلك
ﺃطعم الحيوانات الهرمة عندما تنبطح
في ليل عزلتها،، ومثلك
ﺃجمع لها الأخبار من التبن وجذور
القصب
قبل أن ﺃصدح بالأغاني
وأنا ألج الغابة
ولا أتخلى عن أشيائي :
ﺃحضن طيني وصلصالي
وتياراتي أتخلص منها فتسقط في
أحشائي
حيث حشود الطيور التي بمناقير
كالموز، والطيور التي تسكن التيارات
والطيور التي يغطي أرجلها ريش
وهي تصدح بالفصول
فاصدح بغنائي
عندما تأخذ قيعاني في التآكل
إذ أنا
كعراف القرون الغابرة
بمنخفضاتي التي تتجمهر في أعماقي
ويكفيني عمري الذي ينحدر من عمر
النجوم
- عندما تظهر علي ملامح الاكتئاب -
لأقشر ضوء النهار
والتهم أنفاس الخدر
المنتشر كالطاعات،
وأستريح من السباحة في النسيان
إذ وحدهم الحدادون يملكون الحقيقة :
طالما رصدوها في مطارقهم التي تقول
دوما نعم وهي تهوي على المقابض
والمناجل
نعم وهي تهوي على السكاكين
والسيوف والرماح
نعم وهي تهوي على الخناجر والقيود
والأفكار العظيمة
نعم
نعم
إلى أن يكون بريق حريري
مثل حوصلة الحمامة،
بريق يمنحني الأمل
الأمل
الذي لايشيخ
لأنه يعشق المشي الحلزوني
والظلال الكثيفة
التي مثل الفلين تغلف أنفاس اليأس ليبقى طريا
وأبقى جواره لا املك شيئا
وأخاف أن أضيع مالا ﺃملك
لا ﺃسمع شيئا
وأخاف أن ﺃفقد ما لا ﺃسمع
لا أتذكر شيئا
وأخاف أن ﺃفقد ذاكرتي المحشوة
بالنسيان
وحدي
وحدي بعظام حقيقتي
التي تتصبب عرقا
فقط هناك قريبا مني صوتي:
الضوء المولع بقضم أظافره
الضوء ذو المخالب المقوسة
والأرجل التي تشبه المجاديف
الضوء الذي انقرض منذ آلاف السنين.

محمد الصابر