Thursday, September 30

أنا الآخر دخلت سيمفونية مرتجلة


مترنحاً
ينزف البيانو مقطوعة
وقد تذيب الجليد الكريستالي الذي عشش في إصبعه الحجري.
بينما أكتب ثدياً يترنحُ من بركةٍ حتى السديم,
دفئاً في حُلةٍ أرجوانيةٍ يستوعبُ لغةَ الأفق
لا تعزفُهُ العذراء
الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر
غرف ضبابيةٌ وبطلٌ يرسم الإناث وأعضاءً تناسلية ثم يصدق تأويل الرّبِ حين يقطف شهوته ويَنْشقُ الضباب، ويحشو أنفه وفمه ثم يفكر:
هل يفصلُ رأسَه
أم يعيد صياغة الجدران؟
الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر
عابرة تنضج تذكاراتٍ وحرائقَ على زُجاجِ الْحانة تَذْكُرُ أُمّها حين الولادةِ .. بعد الولادةِ لا تطوح حبلها السري ... تصطاد نُجيماتٍ .... تبعثرها على المائدة
وتَرقُب عابراً قد يُورق في ارتعاشها
الْمُوسيقى: خلفيةٌ لا أكثر.
عابرة
ستلبس وردة أو حصاناً أو طائراً قرمزياً يحمل نصف
شمس على جناحه الشمعي، تلج بسلالها الْملأى بالنّجوم الطازجة،
تسكب ألونها الصارخة على وجهٍ لا تعيه،
وقد تُقشّر الرماد عن أصابعه
دونما سؤالٍ عن اتجاه سبابته
وربما يدهشها فمه الْمُحَنَّط
فتضحك بينما تحشوه بالأوراق،
تدير له اسطوانتها الشاعرية ثم تشرع في تلقينه رقصتها
حيث ترش الإضاءة بقليل من الأزرق،
وتُخبره - حين يُضيء جسده احمراراً – أنها في حضْنه بعيدة عن اللصوص،
تعود ترتدي وردة أو حصاناً...
ولن تبرر هيئتها
لأنها تمضي سريعاً
أو لأنها
امرأة
تطرق بابك في الليل.

محمد متولي
(حدث ذات مرة أن ....)

Sunday, September 26

الخصيان


كانوا يرتدون ثياباً تكشف عوراتهم بطريقة متعمدة
وفي مفترق الطرق إلى حيث يمضون
كانوا يتبادلون عناقات حارة
وصوراً وأدوية وعوازل طبية
وكل ما يصطنعه الرجال في تجاربهم
وبعد كل ما جرى
كانوا لا يزالون
ممتلئين شهوة.


محمد صالح 
صيد الفراشات

Thursday, September 23

فيروز


سلام عليها
أختي التي توغلت في الغابات
وانطلقت نحو الصحاري
أختي السمراء التي يعرفها كل رواد المقهى.
لأجلها سأدق أجراس الكنائس
وأشعل النار في الزبائن كلهم فتمطرني سحابتها:
لا أحد هنا يا أختي
لا أحد..
سأصنع ذاكرتي بنفسي
سأخيطها على مفارش الطاولات
أختار الألوان وحدي
والفرحة التي تؤهلني للصعود إلى الجبل
كأنه ليس في العالم غيري
الذكريات لي
والأساطير لعابري السبيل في السفح..
نتراسل بالنظرات
وباللكنة العربية المستعارة.
نتشارك العشق ذاته والموت ذاته
والرغبة ذاتها في التماهي مع مفردات الجنوب.
هي تقطف الشمس لي
وأنا لأجلها أصعد الجبل
أستطلع زحف الأعادي وأنذرها:
يا علياء
لماذا لا نعيد اكتشاف أسمائنا؟
ستقتلنا الأسود
ولن نرضى بميتة أقل حدة من الأنياب.
سنرتدي جلد الحيات دفاعاً عن النفس
ثم نلتف على رقاب الكواسر
نروضها على محبة الغزلان..
كأننا جذوتا نار
عيوننا مفتوحة على حافة الذعر
لنا ثديا الطبيعة باقتسام
ولله محبتنا
ولغير ذلك أن يحترق.

هدى حسين
أقنعة الوردة

Sunday, September 19

كل يوم في الخامسة صباحا

لسنوات طويلة

 كان يهجره النوم في الخامسة صباحاً
 فيقوم ليطارده فوق أسطح العمارات المجاورة
  
يستسلم للشرفة
 لكوب الشاي النقي
 لأول سيجارة سيمتص رحيقها
 للجريدة التي لم يجف حبرها
 للشارع الخالي من الذكريات

 كل شيء لامع
 ليست هناك أتربة على الإفريز
 ليس هناك من يأتي بعده
 ليطعم أسراب النمل

 كانت أمه قد ماتت
 وبقى هو يتتبع آثارها
 في هواء الصباح
 الباكر
 في حنان الشاي
  
في قطعة البسكويت التي كانت
 تدفعها دفعاً إلى فمه
 فينفرط جزء منها على الأرض
 في حواراتهما الهادئة
  
كرسيان متقابلان
 لا مفر من الحب
 حتى ولو كان أحدهما فارغاً
 حتى ولو كان أحدهما أعزبَ في الستين

  وعندما تصل الشمس إلى حافة الإفريز
 ويتبدل الهواء الأمومة
 وتنكشف تلك الطبقة الحزينة من الغبار
 عندها ينتقل إلى شرفة أخرى مفتوحة.

 علاء خالد
كرسيان متقابلان

Wednesday, September 15

الرغبة


ممددةٌ في تابوتٍ أوسعَ منّي
والورود التي يُلقونها فوقي
لا تدفعني لحكّ جسدي بالأظافر.
مسامُّ أصدقائي مفتوحةٌ لكتابة قصائد جديدة
عن حُرية الموت بلا مُقدّمات مفهومة
عن الراحة التي تشملنا عندما يموتُ شخصٌ
لم يكن لدينا الوقت لنحبَّه.
أنت واقف عند قدميّ
لا أتذكّر علاقةً ما بينكما،
لم تزل أطول مني
ولم يزل ذلك قادراً على تجديد أحقادي.
يبدو أنهم أغلقوا ما بين فخذيّ بقُطنةٍ بيضاءَ
وهذا يكشفُ الخطأَ الكلاسيكيّ
الذي قَصَرَ مخاوفنا على البَتْر.
مرّةً انتبهتُ لحظةَ اكتمالِ بهجتكَ
بينما أتابعُ سُرعة نبضي
وأنا أجري إلى رصيفٍ مُقابل.
الرغبةُ التي فشلتُ في استحضارِها
تنفجرُ الآن في نقطةٍ عمياءَ
ولأجلِكَ،
أكنسُ حيَادَ وجهي
وأضعُ الشَّبَقَ بلمساتٍ محسوبة.
التابوت يسعنا معاً
أشكُّ في حُزنكَ
أنت واقفٌ ما زلتَ على قدميكَ
أنيقٌ
وأنا لم أُفكّر- للأسف -
أن أموت قبلك.


إيمان مرسال
المشي لأطول وقت ممكن

Saturday, September 11

روك آند رول


 "خلِّ عينيك على الطريق ويديك على عجلة القيادة...."
هذا لحن بلوز عنيف مناسب للطرق السريعة
يصلح أيضاً لغرفتي بكتبها الكئيبة وغبارها
لتختفي تحت إيقاعاته الوحشية صرخات شبقها
ضغطة على مفتاح التشغيل
فتنطلق الموسيقى
في ضجيج قطار يتقدم من نفق نحو الهاوية
الهاوية غير منظورة
لكنها آتية لا محالة
من لوس انجيليس- كاليفورنيا .. "ذا دورز" ...
كنت أحبها
وتحب صديقي
أعرض عنها
فجاءت لي
نحتاج إلى نصف لتر من خمر الصبار
نجرعه من الزجاجة دون ملح أو ليمون
نحتاج إلى فئران لتأكل أطرافنا
نحتاج إلى أن نختفي
وهي فوقي كتركة من الديون
أخذتها سريعاً
في دفقة حب خاطفة
تركتها تمسح إخفاقنا الرائع
في جورب مهمل على الفراش
باب الغرفة لا يوصد بإحكام
لم أعد أحبها
وجهاز الستريو وإن صنع في الصين
يفي بالغرض
"خلِّ عينيك على الطريق ويديك على عجلة القيادة..."
كان موريسون شريكاً كاملاً في الجريمة
وثمة أطباق اصطبغت ببقايا حساء الطماطم
طار الجورب حتى نهاية الغرفة
بينما أبي في الخارج
يتناول غداءه هادئاً
في تلك الظهيرة الحارة



ياسر عبد اللطيف
جولة ليلية

Monday, September 6

فصلٌ لونيّ


زوجان كهلان
يرقدان على سرير ذي أعمدة نحاسية،
مشدود الأغطية، قليل الكرمشات
لكنه يكاد يبتلعهما لو نظرت إليه
من سقف الغرفة عظيم الارتفاع.
يبدو عرقهما ودهون التي تنز منهما أثناء النوم
مطبوعين على الوسائد
من بين ثيابها يبرز فخذ الزوجة المترهل
بعرق أزرق نحيل يسير بطول الساق
بينما يغطي الشعر على ملامح فخذ الرجل
التي يبدو فيها الوتران الضخمان كدعامتين لأسفل الفخذ.
العجيب أن أصابع أقدامهما كانت قريبة الشبه ببعضها
حيث كانت من النوع المفلطح الدائري
وبما أنها تشابهت فكان من الطبيعي
أن تتشابه بعض ملامح وجهيهما؛
في عدد الخطوط المحفورة في الجبين
في اتساع العيون وفي كثافة الحاجبين
وربما وجدنا تلك النغزة التي بأسفل ذقن الزوجة
لدى الرجل أيضا إذا حلق لحيته.
***
من النافذة الضخمة، وبعد منتصف الليل بساعتين أو ثلاث
يثبت الزوج عينيه إلى الخارج دون تفكير
تدخل امرأة بالأبيض والأسود حاملة في ذراعها طفلا
وتبدو كمريم وابنها إلى حد بعيد
فيهرع إليها مستفسرا، لتخبره أنها جاءت تحتمي من الأمطار
ينظر إلى الخارج فلا يجد مطرا
لكنه عندما يمسك بثيابها يجدها مبتلة
ويجد شعر الطفل وقد وزع البلل خصلاته الدقيقة في اتجاهات عدة.
تترك الطفل في يده وتخلع ملابسها المبتلة
لتمشي مترين أمامه عارية قبل أن تستلقي جوار زوجته
ولازال لونها رماديا.
يقف ممسكا بالطفل ومحدقا في ذهول
حين تتلاشى الألوان من الجزء الذي تنام عليه تلك المرأة.
***
في نصف السرير الملون- وهو البعيد عن اهتمامه الآن-
مازال عرق زوجته الأزرق يشق فخذها
ومازال كفاها مقوسان كمن يبغي الحفاظ على شربة ماء،
ومازال تمارس عادتها القديمة في التقلب
محتفظة بالوسادة الوردية بين ساقيها،
بينما تزداد الكرمشات في الملاءة الصفراء.
في النصف الآخر، اصطبغ كل شيء بالأبيض والأسود
وبدا جسد المرأة الغريب مسيطرا على كل شيء؛
فخذان رشيقان مشدودان،
أصابع القدم مدببة ودقيقة،
عظام الخصر لا تترك حيزا للترهلات،
رقبة نحيلة ربما بدت له أطول مما توقع،
صدر يرفع حلمته عاليا كنوع من الاعتزاز بدقة تكويره وامتلائه المحسوب،
وقد حدس من لو الحلمة الداكن أنها ربما كانت بنية،
كان وجهها الطويل دقيق الملامح أيضا،
ذا أنف نحيف طويل يبدو كأصبع حلوى مجوف،
عظام الفكين ذات بروز طفيف ومحبب،
حاجبان مرسومان وذقن مدببة،
وقد حدس من لو العيون أنها كانت زرقاء.
***
نظر إلى الطفل الذي يحمله، ودون انتباه منه
كان جسده قد جف وكسته الألوان،
وقد ظهرت على وجهه ابتسامة- فقدت معناها بعد طول ثبوتها-
موجهة إلى الرجل!
***
بعدها أفاقت الزوجة على صرخة زوجها
الذي ترك الطفل على المقعد الهزاز
لتخبره أنها لم تعد تشعر بالغيرة
ناظرة بفضول قاتل إلى الكيان الراقد جوارها
وطالبة منه أن يقذف بالطفل إلى الخارج
حتى يتعلم الاعتماد على نفسه!
***
لم تلحظ الزوجة شيئا غير عادي قبل أن تشرع في النوم من جديد
مراقبة الأحداث بنصف عين!
***
يسحب الرجل كرسيا ويجلس بجوار النافذة
يكبس بأبهامه تبغ الغليون بينما يفحص بعينيه
أصابع قدمه المفلطحة، ويتحسس بأصابعه
ملامح وجهه وحاجبيه على سبيل التأكد،
ويكشف عن ثيابه ليرى فخذيه المشعرين بوتريهما!
***
تتمنى الزوجة قبل أن تغمض عينيها تماما
أن يعفيها القدر قريبا من نزوات زوجها التي لا تنتهي
والتي تجلب الاضطراب دوما لحياتهما!
***
بعد أن تتأكد المرأة التي بالأبيض والأسود
من نوم الزوجة
تنظر إلى الرجل المرتبك بابتسامة تكشف عن جبين رائق
خال من هموم الكهولة
- ابتسامة ثابتة، كتلك التي ...يبدو أنها علمتها لابنها!
***
الرجل يدخن بجوار النافذة
والغرفة خالية من أي نساء!
***
المرأتان نائمتان- بنفس الفصل اللوني-
والطفل يترك كرسيه الهزاز ويفتح الباب مغادرا،
ولا أثر للرجل!
***
الكرسي الهزاز يتحرك جوار النافذة
وعليه ملابس الطفل وتبغ الرجل
في مواجهة السرير الخالي
ذي الملاءة الصفراء والوسائد الوردية،
وكان المطر غزيرا بالخارج!

محمد متولي

Friday, September 3

السيدة


هذه السيدة
لا تتصور نفسها وحيدة بدونه
تموت رعباً لأنه يهمل صحته
ويسرف في التدخين
وتلاحقه بوصاياها حتى يختفى في بئر السلم
ثم تجري إلى الشرفة قبل أن يستدير هو حول البناية
لتراه في الشارع
من ظهره هذه المرة
يبدو ذاهلاً وأكثر نحولاً
وعندما يميل وتلتقي عيناهما
يرى دموعها هناك
في مكانها على قوس الخد
وهذه السيدة
لديها أسباب
وتلتقي عيناهما.

محمد صالح
حياة عادية

Wednesday, September 1

بيننا


 نجلسُ صامتِينَ حالمِينَ طافحِينَ
 بأفكارٍ تُصَفِّقُ كأوراقِ اللَّوْزِ بيننا
 نُفكِّكُ أعضاءَنا ونصفُّها واحدًا واحدًا على الطاولةِ
 العيونَ في الوَسَط
 الأصابعَ على الحافَّة
 القلوبَ خَدَمًا يتجوَّلُونَ بيننا
 ونستضيفُ أحلامًا تدخلُ من الأبوابِ
 وأحلامًا من ثقوبِ الجدار
 ونُعِدُّ مأدبةً لضيوفٍ
 يتدفَّقونَ عائدينَ
 من الموتِ إلينا.
 كانَ بيننا، ذاتَ يومٍ، قَسَمٌ ألاَّ نفترِقَ
 شرَّعْنا الأبوابَ والنوافذَ
 دَعَوْنا الجيرانَ والمارَّةَ والنسيمَ
 ورطوبةَ العُشْبِ كي تدخلَ
 وتتدفَّأَ عندنا،
 كانَ بيننا قلبُ لَوْزٍ
 اقتسمناهُ على الطريق
 ودخلْنا.

وديع سعادة

بسبب غيمة على الأرجح