Monday, August 23

حرارة الغناء في الستينيات

 كنت أرى السعادة في غرفة المطبخ لبيت صديقى. الأجساد الكثيرة التي تروح وتجيء، الصدامات المتكررة بدون اعتذارات أو انتظار لها، برطمانات المخلل والأطعمة الحريفة، أرغفة الخبز الرقيقة. كل وجبة كانت احتفالاً، بالخيط الذي يربط بينهم، بالطعام، بالكلام المهم والفارغ، بالثرثرة.
سور واحد كان يفصل بيننا، في نهاية اليوم كنت أتسّمع من غرفتي لصوت اخته الرخيم ، وهي تغسل الصحون وتغني حافية. كانت تحب "عبد الحليم" و"نجاة" و"أم كلثوم". تحاول أن تظهر جذوة النار التي تسكن خلف أصواتهم.
انقطع حبل الغناء في بيت صديقى. مات الأب و"عبد الحليم حافظ" و"أم كلثوم". تزوجت البنات وأخذن لبيوتهن حرارة الغناء في الستينيات. تزوج صديقي وأنجب، أصبح مدمناً لميراث البيت من الأغاني العاطفية. اختار عملاً مناسباً، يتيح له أن يؤجل عودته للبيت، اشترى تاكسياً بمسجل ياباني، وأطلق لحيته. يدور في الشوارع والأحياء الشعبية، ينحني للرزق، وللبيوت التي يتصاعد منها الغناء القديم.
شيء قاس أن نظل أصدقاء حتى العقد الخامس، بدون سنوات ساقطة، ينسب لها ما أخفق من أحلام. منذ كنا صغاراً وصديقي يحلم بمعجزة تغير حياته. لكي تطلق نبوءة وأنت صغير، يجب أن تقتل كل من شهد عليها. كنت الشاهد الوحيد، والتمس له العذر، وهو يتحاشى أن ينظر لي، وأنا أعدّ السنوات المتبقية من حياته وحياتي، متسائلاً هل تكفي لكي تتحقق المعجزة؟

 علاء خالد
كرسيان متقابلان

2 comments:

Foxology said...

استاااااذ

كل سنة وانت طيب وانت خابطنا ف دماغنا بالحاجات المدهشة دى :)

m.sobhy1990@gmail.com said...

شكرا يا معلم، وتعيش وتتخبط
:)