Friday, August 27

جويس منصور ... قصيدتان


اِفتح أبوابَ الليل
 تر قلبي معلّقاً
 في الصِوان الذكيّ برائحة الحـب
 معلّقاً بين ملابس الفجر الوردية
 مقروضاً بالعثّ، الأوساخ والسنوات
 معلقاً بلا ثياب، سلخه الأملُ سلخاً!
 قلبي ذو الأحلام الغرامية
 لا يزال حيّاً!
  
...................................

أريد أن أتعرى أمام عينيك المغردتين
 أريد أن تراني أصرخ لذةً
 أن تتلوى أطرافي تحت وزن جد ثقيل،
 أن تدفعك إلى أعمال كافرة
 أن يتعلّق شَعري الأملسُ،
 شَعرُ رأسي المُهْدى
 بأظافرك المقوّسة غيظاً
 أن تقفَ أعمى ومؤمناً
 ناظراً من فوق إلى جسدي المنتوف الريش!

  جويس منصور
ت: عبد القادر الجنابي

Monday, August 23

حرارة الغناء في الستينيات

 كنت أرى السعادة في غرفة المطبخ لبيت صديقى. الأجساد الكثيرة التي تروح وتجيء، الصدامات المتكررة بدون اعتذارات أو انتظار لها، برطمانات المخلل والأطعمة الحريفة، أرغفة الخبز الرقيقة. كل وجبة كانت احتفالاً، بالخيط الذي يربط بينهم، بالطعام، بالكلام المهم والفارغ، بالثرثرة.
سور واحد كان يفصل بيننا، في نهاية اليوم كنت أتسّمع من غرفتي لصوت اخته الرخيم ، وهي تغسل الصحون وتغني حافية. كانت تحب "عبد الحليم" و"نجاة" و"أم كلثوم". تحاول أن تظهر جذوة النار التي تسكن خلف أصواتهم.
انقطع حبل الغناء في بيت صديقى. مات الأب و"عبد الحليم حافظ" و"أم كلثوم". تزوجت البنات وأخذن لبيوتهن حرارة الغناء في الستينيات. تزوج صديقي وأنجب، أصبح مدمناً لميراث البيت من الأغاني العاطفية. اختار عملاً مناسباً، يتيح له أن يؤجل عودته للبيت، اشترى تاكسياً بمسجل ياباني، وأطلق لحيته. يدور في الشوارع والأحياء الشعبية، ينحني للرزق، وللبيوت التي يتصاعد منها الغناء القديم.
شيء قاس أن نظل أصدقاء حتى العقد الخامس، بدون سنوات ساقطة، ينسب لها ما أخفق من أحلام. منذ كنا صغاراً وصديقي يحلم بمعجزة تغير حياته. لكي تطلق نبوءة وأنت صغير، يجب أن تقتل كل من شهد عليها. كنت الشاهد الوحيد، والتمس له العذر، وهو يتحاشى أن ينظر لي، وأنا أعدّ السنوات المتبقية من حياته وحياتي، متسائلاً هل تكفي لكي تتحقق المعجزة؟

 علاء خالد
كرسيان متقابلان

Friday, August 20

صباح الخير

صباح الخير
على ذبول عينيكِ
صباح الخير
على عريشة شعرك.
على نقطة العسل
السائلة فوق المخدة من فمك.
على الدبدوب الكسلان في حضنك.
على الحمامتين المحبوستين
اللتين تنقران شبابيك الدانتيلا
في حمالة صدرك.
على الملك المستبد
الذي فشلت طعنات ليلة أمس
في زحزحته
عن عرش جسدك.
صباح الخير
على الملابس المتسخة
في سلة غسيلك.
على بقايا طعام العشاء
في صحون مطبخك.
على الفنجان
الذي يحبس أنفاس القهوة لتبقى ساخنة
في انتظار قبلتك.
على التراب العالق بنعل جزمتك.

صباح الخير
، كرامة لخاطرك،
على كحة أبيكِ
وروماتيزم ركبتي أمك.

صباح الخير
على العصافير المختبئة
من أصوات الرصاص في شرفتك.
على ذبابة وجه
ابن بواب عمارتك.
على كلب جيرانك
وزبّال شارعك.

عماد أبو صالح
جمال كافر

Wednesday, August 18

زادُ الوحيد


لا تلتفت يمينك ،
 حتى وإن ظننت أن الأمر سيبدو عفويا .
 البنت التي جلست ـ في رقة ـ
 إلى جوارك ،
 وجهها جميل ، بالطبع
 وربما عيناها خضراوان ، وفمها صغير لم يمس .
 فقط ..
 يمكنك أن تنظر إلى أصابعها ، وترى
 كم هي رشيقة ، وبيضاء .
 وكم هي الأظافر ـ في ثقة ـ محدبة الحواف ،
 وخالية من أي أثر لطلاء .

  بالتالي ..
 يمكنك أن تتخيل وقع خطوها
 أو نبرة صوتها
 أو ربما يصدق حدسك ويكون اسمها (سارة)!!
 لكن ..
 لا تسرف أكثر من ذلك
 فتفكر :
 ستهبط في ذات المحطة ،
 وتسير في ذات الشارع ،
 كي تدخل ـ قبلك ـ
 مكتب الخطوط الجوية السورية !!


 وبعد يومين
 ستجلس ثانية إلى جوارك
 متجهة ـ مثلك ـ إلى دمشق !!
 عندئذ ..
 يمكنك أن تتعرف عليها ،
 وتفرح ،
 حتى لو لم يكن اسمها (سارة)
 فقط انتبه ..
  
كان عليك أن تهبط المحطة التي مضت

علي منصور
عصافيرُ خضراء قربَ بحيرةٍ صَافية

Sunday, August 8

عندما أستيقظ.. سأفعل أشياء كثيرة



كما يحدث في كل البلاد وكل الحجرات.. أفتح الشباك
تستقبل عيناي مشهد الصباح من الذاكرة قبل أن يغمر الضوء الغرفة
أشرب القهوة ثم أعود للنوم
أنهض لآكل شيئا
أفكر قليلا.. أشرد.. في لا شئ
أعود لأنام مرة أخرى
أنام كثيرا
وأنا نائمة تكون لدى رغبة قوية في النوم
الاستغراق فيه لدرجة عدم الاستيقاظ مرة أخرى.

ظلام دامس تعتاده عيناي.

تخترق رأسي نقطة ضوء تنبعث من ثقب صغير
أتذكر أن هناك ورقة أعلى السرير لا أدرى لماذا أتذكرها الآن في الوقت الذي أفكر في نقطة الضوء.
أتحسس الحائط حتى ألمس ذيلها.. أنتزع جزءً أضعه على لساني ثم أفركه بين السبابة والإبهام...وأسد الثقب
هذا هو الظلام الحقيقي .. الظلام المريح..
شئ ما يجعلني أضغط مفتاح النور.. ربما طعم الورقة على لساني.
أنظر إلى الصورة المعلقة فوق سريري،
يدان تتلامسان في لحظة الخلق مذيلة بأسماء شهور العام.
خمسة عشر عاماً وأنتِ هنا.. فوق سريري
علامة على تاريخ، بالتأكيد أنا التي وضعتها،
ربما كان موعدا أو يوم ميلاد صديق.
أردد التاريخ بصوت مرتفع لكنني لا أتذكر شيئا
عن العلامة أو الصورة التي أصبحت جزءا من الحائط.
يجب أن أنزعها عندما أستيقظ
أُطفئ النور وأعود للنوم.
أفتح عيني مع صوت احتكاك الجريدة والبائع يلقيها أسفل عتبة الباب
منذ أسبوع والجرائد تتكوم خلفه
أفكر في عدد الأخبار والجرائم والجثث،
ليلا سألصق ورقة على الباب: لا أحد هنا.

أحلم أنني في صندوق خشبي ملقى في بحر مع صحن فاكهة،
كلما أقضم واحدة تتحول إلى
قطعة مطاط ملتهبة
أشعر أنى جائعة
أنظر إلى الصورة أعلى السرير قائلة:
ما أسوأ رائحة المطاط المحترق.
حمام دافئ ربما يجعلني أنام نوماً هادئاً
بالأمس حلمت أن وجهي أصبح عجينة متخمرة
صرخت.. مددت يدي.
سمعت صرختي..
وشعرت بيدي وهى ترتفع بتثاقل شديد لتدفع شيئا
لكنني في الحقيقة كنت كمن يشاهد أحدا آخر.
ألف خصلات شعري المتساقط حول أصبعي وألقيه في الحوض
أنظر إلى وجهي على سطح المرآة الضبابي: هزيلة وباهتة كصبي
لست امرأة.. ولست فتاه.. شعرت أنها توافقني، اليوم أشياء كثيرة تشاركني الرأي.
بل وتبعث إلي برسائل ينبغي أن أصدقها
غدا سأرد عليها: الورقة أعلى السرير وبائع الجرائد وحلم المطاط والمرآة
خف الضباب قليلا.. أرسم خطوطا مستقيمة ودائرة كبيرة ثم خطين مائلين أعلى الرأس


زهرة يسري
نصف وعي

Wednesday, August 4

جليس لمحتضر..مختارات


أنت لم تعش هذه الأيام
كان من الشائع
أن تصادف في الطريق ملاكا
يسألك مرتبكا
عن عنوان ما
فتصحبه إليه
آملا أن يعطيك ريشة
تزهو بها أمام الأولاد.

كان من المألوف
أن يتصاعد الصخب هنا
أو هناك
لأن واحدا من الأسلاف الغابرين
يزور ما تبقى من قبيلته الصغيرة
ويتناول معهم العشاء.
نعم
وكان يمكنك أن تنخرط في الحكاية
حتى تبدأ في النهجان
آملا في الخروج من الغابة
قبل أن تصل إليك الجنيّات
فتتوقف الجدّة
وتربت على ظهرك مطمئنة
بينما تتلفت حولك كالعائد من النوم.

إنني أتذكر هذه الأيام
الأيام التي لم تأت أبدا!!
...................................

كنت خائبا
وإلا
فلماذا راهنت على الخاسر طول الوقت
أحببت جمال عبد الناصر
وعبد الحليم حافظ
وليلى مراد
وها أنا يا عزيزتي
أجلس وحيدا في هذا القبو
مع الصور التي تحدق فيّ
الصور التي رفعت أطرافها عن الطلاء
كأنها تهم بمغادرة المكان!
جيفارا
وماو
وسعاد حسني

أتحدث معهم
وأعاتبهم
كما يفعل المؤمن مع الله
عندما يجد الكفار ينتصرون طول الوقت!

ثلاثون عاما وأنا في هذا القبو
تتسع الشروخ من حولي
وهم
يحدقون فيَّ ويبتسمون!
ثلاثون عاما
وأنا أنتظر علامةً واحدة
لأتأكد أن ما يحدث
يحدث بالفعل!

علامةً
غير حضورك هذا الصباح
وجلوسك هكذا على مكتبي
تقلبين في أوراقي وتبكين!
.................................

أرجو ألا تخدعكم ابتسامتي
فأنا أيضا
شرير!
تمنيت أن يموت رؤسائي فجأة
وتختفي النساء كاليود
بمجرد الاحتكاك!
وضعت خططا كثيرة للتخلص من خصومي
وشردت طويلا
لأراهم وهم يتساقطون

أحتفظ في ألبومي بصور عديدة
أقف فيها
والأسرى صفوف تحت قدمي
وفي الزوايا
يعكف أصدقائي على إحصاء كل شيء
الثيران
والأشجار
والخيول
بينما يضع الآخرون على جنب
الفيلات
وحمامات السباحة
وسيارات الـ 4 × 4

تعليماتي واضحة تماما
على كاتبي السجلات
أن يضعوا
الجنرالات وحدهم
والوزراء والمحافظين وحدهم
ويتركوا الكتاب المأجورين لي!

لست آسفا على شيء
فخزائني مملوءةٌ بالجبن والزيتون
وتحت سريري
حشد من الأرامل والمطلقات
وبين يدي
قططي التي انتقيتها بعناية
من الطريق

أما ما يراه الآخرون نعيما
فأنا زاهد فيه تماما
لأنني ببساطة
وخلال تجريدة واحدة
أستطيع أن أغيّر كل شيء
فأحبس الجنرالات في بئر السلم
وأغيّر الحكومة
مع تغيّر الفصول
وأمنح قططي الفرصة
للتشمس على حرف البيسين
أو النوم في مقاعد
البرلمان !

إنني شرير بطبعي
ولذا
أجهزة لضربتي القادمة
بينما أضع ابتسامة ملاك
على سبيل التمويه!
.......................

"قابلت غجرا سعداء"
المرأة تستحم في برميل
والرجل يقلم أظافره بمطواه
لم تحتمل المرأة
التي جلستْ بجواري
أن يلمس كوعي صدرها عرضا
حدجتني في الظلام الشفيف
و
توالت الأحداث

لكنها
عندما مزّق المتوحش سوتيان البنت
ودفن لحيته الكثة
بين ثدييها
وضعت يدها عليّ!
فمددت يدي إليها
كانت مبتلة ودافئة
نظرت لها فأشاحت
وقبل أن ينتهي الفيلم
اختفت
بين الذين يخرجون في الظلام!!
...............................

منذ هربت مع آخر
وهو يجلس أمام بيته
يتفرس بعينين كليلتين
في وجوه الأغراب
كان يستطيع
في يوم السوق
أن يلتقط واحدا من هؤلاء
ليكون ضيفه
شريطة أن يحدثه
عن الهوى
والهجر

فإذا تهدج الضيف
وتغيّرت الفصول في الغرفة
رقّ له
وكافأه بحكايته الغريبة
ثم اصطحبه
دامع العينين
إلى أول الطريق!

فريد أبو سعدة 
جليس لمحتضر