Monday, September 6

فصلٌ لونيّ


زوجان كهلان
يرقدان على سرير ذي أعمدة نحاسية،
مشدود الأغطية، قليل الكرمشات
لكنه يكاد يبتلعهما لو نظرت إليه
من سقف الغرفة عظيم الارتفاع.
يبدو عرقهما ودهون التي تنز منهما أثناء النوم
مطبوعين على الوسائد
من بين ثيابها يبرز فخذ الزوجة المترهل
بعرق أزرق نحيل يسير بطول الساق
بينما يغطي الشعر على ملامح فخذ الرجل
التي يبدو فيها الوتران الضخمان كدعامتين لأسفل الفخذ.
العجيب أن أصابع أقدامهما كانت قريبة الشبه ببعضها
حيث كانت من النوع المفلطح الدائري
وبما أنها تشابهت فكان من الطبيعي
أن تتشابه بعض ملامح وجهيهما؛
في عدد الخطوط المحفورة في الجبين
في اتساع العيون وفي كثافة الحاجبين
وربما وجدنا تلك النغزة التي بأسفل ذقن الزوجة
لدى الرجل أيضا إذا حلق لحيته.
***
من النافذة الضخمة، وبعد منتصف الليل بساعتين أو ثلاث
يثبت الزوج عينيه إلى الخارج دون تفكير
تدخل امرأة بالأبيض والأسود حاملة في ذراعها طفلا
وتبدو كمريم وابنها إلى حد بعيد
فيهرع إليها مستفسرا، لتخبره أنها جاءت تحتمي من الأمطار
ينظر إلى الخارج فلا يجد مطرا
لكنه عندما يمسك بثيابها يجدها مبتلة
ويجد شعر الطفل وقد وزع البلل خصلاته الدقيقة في اتجاهات عدة.
تترك الطفل في يده وتخلع ملابسها المبتلة
لتمشي مترين أمامه عارية قبل أن تستلقي جوار زوجته
ولازال لونها رماديا.
يقف ممسكا بالطفل ومحدقا في ذهول
حين تتلاشى الألوان من الجزء الذي تنام عليه تلك المرأة.
***
في نصف السرير الملون- وهو البعيد عن اهتمامه الآن-
مازال عرق زوجته الأزرق يشق فخذها
ومازال كفاها مقوسان كمن يبغي الحفاظ على شربة ماء،
ومازال تمارس عادتها القديمة في التقلب
محتفظة بالوسادة الوردية بين ساقيها،
بينما تزداد الكرمشات في الملاءة الصفراء.
في النصف الآخر، اصطبغ كل شيء بالأبيض والأسود
وبدا جسد المرأة الغريب مسيطرا على كل شيء؛
فخذان رشيقان مشدودان،
أصابع القدم مدببة ودقيقة،
عظام الخصر لا تترك حيزا للترهلات،
رقبة نحيلة ربما بدت له أطول مما توقع،
صدر يرفع حلمته عاليا كنوع من الاعتزاز بدقة تكويره وامتلائه المحسوب،
وقد حدس من لو الحلمة الداكن أنها ربما كانت بنية،
كان وجهها الطويل دقيق الملامح أيضا،
ذا أنف نحيف طويل يبدو كأصبع حلوى مجوف،
عظام الفكين ذات بروز طفيف ومحبب،
حاجبان مرسومان وذقن مدببة،
وقد حدس من لو العيون أنها كانت زرقاء.
***
نظر إلى الطفل الذي يحمله، ودون انتباه منه
كان جسده قد جف وكسته الألوان،
وقد ظهرت على وجهه ابتسامة- فقدت معناها بعد طول ثبوتها-
موجهة إلى الرجل!
***
بعدها أفاقت الزوجة على صرخة زوجها
الذي ترك الطفل على المقعد الهزاز
لتخبره أنها لم تعد تشعر بالغيرة
ناظرة بفضول قاتل إلى الكيان الراقد جوارها
وطالبة منه أن يقذف بالطفل إلى الخارج
حتى يتعلم الاعتماد على نفسه!
***
لم تلحظ الزوجة شيئا غير عادي قبل أن تشرع في النوم من جديد
مراقبة الأحداث بنصف عين!
***
يسحب الرجل كرسيا ويجلس بجوار النافذة
يكبس بأبهامه تبغ الغليون بينما يفحص بعينيه
أصابع قدمه المفلطحة، ويتحسس بأصابعه
ملامح وجهه وحاجبيه على سبيل التأكد،
ويكشف عن ثيابه ليرى فخذيه المشعرين بوتريهما!
***
تتمنى الزوجة قبل أن تغمض عينيها تماما
أن يعفيها القدر قريبا من نزوات زوجها التي لا تنتهي
والتي تجلب الاضطراب دوما لحياتهما!
***
بعد أن تتأكد المرأة التي بالأبيض والأسود
من نوم الزوجة
تنظر إلى الرجل المرتبك بابتسامة تكشف عن جبين رائق
خال من هموم الكهولة
- ابتسامة ثابتة، كتلك التي ...يبدو أنها علمتها لابنها!
***
الرجل يدخن بجوار النافذة
والغرفة خالية من أي نساء!
***
المرأتان نائمتان- بنفس الفصل اللوني-
والطفل يترك كرسيه الهزاز ويفتح الباب مغادرا،
ولا أثر للرجل!
***
الكرسي الهزاز يتحرك جوار النافذة
وعليه ملابس الطفل وتبغ الرجل
في مواجهة السرير الخالي
ذي الملاءة الصفراء والوسائد الوردية،
وكان المطر غزيرا بالخارج!

محمد متولي

No comments: